فالواجب : الاشتغال بما يدوم ثوابه، ولذلك قال له ﷺ :﴿وَأْمُرْ أهْلَكَ بالصلاةِ﴾، أمره بأن يأمر أهل بيته، أو التابعين له من أمته، بالصلاة، بعد ما أمر هو بقوله :﴿وسبح بحمد ربك﴾ على ما مر ؛ ليتعاونوا على الاستعانة على الخصاصة، ولا يهتموا بأمر المعيشة، ولا يلتفتوا لغنى أرباب الثروة. ﴿واصْطَبر عليها﴾ ؛ وتكلف الصبر على مداومتها، غير ملتفت لأمر المعاش، ﴿لا نسألك رزقًا﴾ أي : لا نُكلفك أن ترزق نفسك ولا أهلك، ﴿نحن نرزقك﴾ وإياهم، ففرغ قلبك لمشاهدة أسرارنا، ﴿والعاقبةُ﴾ المحمودة ﴿للتقوى﴾ أي : لأهل التقوى. رُوي أنه ﷺ كان إذا أصاب أَهْلَه ضُر أو خصاصة أَمَرهُمْ بِالصّلاة، وتلا هذه الآية. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ما خوطب به نبينا ﷺ خوطب به خاصة أمته، فلا تمدن عينيك، أيها الفقير، إلى ما متع به أهل الدنيا، من زهرتها وبهجتها، بل ارفع همتك عن النظر إليها، واستنكف عن استحسان ما شيدوا وزخرفوا، فإن ذلك حمق وغرور. كان عروة بن الزبير رضي الله عنه إذا رأى أبناء السلاطين وشاراتهم دخل داره وتلا :﴿ولا تمدن عينيك…﴾ الآية. وكان يحيى بن معاذ الرازي يقول لعلماء زمانه : يا علماء السوء ؛ دياركم هامانية، ومراكبكم قارونية، وملابسكم فرعونية، فأين السنة المحمدية ؟
٣٢٢
ولا تشتغل بطلب رزق فرزق ربك - وهو ما يبرز لك في وقتك من عين المنة، من غير سبب ولا خدمة - خير وأبقى -، أما كونه خيرًا ؛ فلِمَا يصحبه من اليقين والفرح بالله وزيادة المعرفة، وأما كونه أبقى ؛ لأن خزائنه لا تنفد، مع بقاء أثره في القلب من ازدياد اليقين، والتعلق برب العالمين. ﴿وأْمر أهلك بالصلاة﴾ واصطبر أنت عليها، فإن رزقنا يأتيك لا محالة، في الوقت الذي نريده، ﴿لا نسألك رزقًا﴾ لك ولا لأهلك، ﴿نحن نرزقك﴾، لكن رزق المتقين، لا رزق المترفين، ﴿والعاقبة للتقوى﴾. وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon