الكوفة :(قال) ؛ على الخبر، وهو حكاية من جهته تعالى لِمَا قاله - ﷺ - بعد ما أوحى إليه أحوالهم وأقوالهم ؛ بيانًا لظهور أمرهم وانكشاف سرهم، وإيثار القول المشتمل على السر والجهر ؛ للإيذان بأن علمه تعالى بالسر والجهر على وتيرة واحدة، لا تفاوت بينهما بالجلاء والخفاء، كما في علوم الخلق.
﴿وهو السميعُ العليم﴾ أي : المبالغ في العلم بالمسموعات والمعلومات، التي من جملة ما أسروه من النجوى، فيجازيهم بأقوالهم وأفعالهم. ﴿بل قالوا أضغاثُ أحلام﴾، هو إضراب من جهته تعالى، وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية قول آخر مضطرب في مضارب البطلان، أي : لم يقتصروا على أن يقولوا في حقه - عليه الصلاة والسلام - : هل هذا إلا بشر، وفي حق ما ظهر على يديه من القرآن الكريم : إنه السحر، بل قالوا : هو تخاليط أحلام وأباطيلها، فهو أشبه شيء بالهذيان، ثم أضربوا عنه، وقالوا :﴿بل افتراه﴾ من تلقاء نفسه، من غير أن يكون له أصل أو شبهة أصل. ثم قالوا :﴿بل هو شاعر﴾، وما أتى به شعر يُخيل إلى السامع، لا حقيقة لها. وهكذا شأن المبطل المحجوج، متحير، لا يزال يتردد بين باطل وأبطل، ويتذبذب بين فاسد وأفسد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٥
فالإضراب الأول، كما ترى، من جهته تعالى، والثاني والثالث من قِبلهم. وقد قيل : الكل من قِبلهم، حيث أضربوا عن قولهم : هو سحر، إلى أنه تخاليط أحلام، ثم إلى أنه كلام مفترى، ثم إلى أنه قول شاعر، وهو بعيد ؛ لأنه لو كان كذلك لقال : قالوا : بل أضغاث أحلام... الخ.
ثم قالوا :﴿فلْيأتِنا بآيةٍ﴾ ؛ وهو جواب عن شرط محذوف، يُفصح عنه السياق، كأنه قيل : وإن لم يكن كما قلنا، بل كان رسولاً من الله تعالى، فليأتنا بمعجزة ظاهرة ﴿كما أُرسل الأولون﴾ أي : مثل الآية التي أُرسل بها الأولون ؛ كاليد، والعصا، و الناقة وشبه ذلك. فالكاف : صفة لمصدر محذوف، أي : إتيانًا مثل إتيان الأولين.