﴿فما زالتْ تلك دعواهم﴾ أي : فما زالوا يُرددون تلك الكلمة، ويدعون بها، ويقولون : يا ويلنا، ﴿حتى جعلناهم حصيدًا﴾ أي : مثل الحصيد، وهو المحصود من الزرع والنبات، فهو فعيل بمعنى مفعول، فلذلك لم يجمع، كجريح وقتيل. وجعلناهم ﴿خامدين﴾ ؛ ميتين، من خمدت النار إذا طفئت. وهو، مع " حصيدًا "، في حيز المفعول الثاني لجعل، كقولك : جعلته حلوًا حامضًا، والمعنى : جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود، أو حال من الضمير المنصوب في " جعلناهم "، ولفظ الآية يقتضي العموم. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣١
الإشارة : وكم من قرية من قرى القلوب قصمنا أهلها، أي : ما فيها من الشكوك والأوهام، كانت ظالمة بتلك الخواطر، فأخرجناهم منها، وأنشأنا بعدها أنوارًا وأسرارًا وعلومًا آخرين. فلما حسوا بأسنا بورود الواردات الإلهية عليها، التي تأتي من حضرة القهار، إذا هم منها يركضون ؛ لأن الواردات الإلهية تأتي من حضرة القهار، لأجل ذلك لا تصادم شيئًا من الظلمات إلا دمغته، فيقال لتلك الظلمات، التي هي الشكوك والأوهام : لا تركضوا، ولكن ارجعوا أنوارًا، وانقلبوا وارداتٍ وأسرارًا، وتنعموا في محلكم بشهود الحق، لعلكم تُسألون، أي : تُسْتَفْتَوْنَ في الأمور، لأن القلب إذا صفا من الأكدار استفتى في العلوم، وفي الأمور التي تعرض، قالوا بلسان الحال - أي تلك الظلمات - : يا ويلنا إنا كنا ظالمين ؛ بحجب صاحبنا عن الله، فما زالت تلك دعواهم حتى صاروا خامدين، هامدين، ساكنين تحت مجاري الأقدار، مطمئنين بالله الواحد القهار، وهذه إشارة دقيقة، لا يفهمها إلا دقيق الفهم غزير العلم. وبالله التوفيق.
٣٣٢
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣١
قلت :﴿لاعبين﴾ : حال من فاعل خلق، و " إن كنا " : شرط حُذف جوابه، أي : إن كنا فاعلين اتخذناه من لّدُنا، وقيل : نافية.


الصفحة التالية
Icon