وقيل : المعنى : هذا كتاب أُنزل على أمتي، وهذا كتاب أُنزل على أمم الأنبياء - عليهم السلام - قبلي، فانظروا : هل في واحد منها غير الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك، ففيه تبكيت لهم. ﴿بل أكثرهم لا يعلمون الحقَّ﴾ أي : لا يفهمونه، ولا يميزون بينه وبين الباطل، فهو إضراب وانتقال من تبكيتهم بمطالبة البرهان، إلى بيان أنه لا ينجع فيهم المحاججة ؛ لجهلهم وعنادهم، ولذلك قال :﴿فهم معرضون﴾ أي : فهم لأجل جهلهم وعتوهم مستمرون على الإعراض عن التوحيد واتباع الرسول، لا يَرْعَوُونَ عما هم عليه من الغي والضلال، وإن كررت عليهم البينات والحجج. أو معرضون عما ألقى عليهم من البراهين العقلية والنقلية ؛ لانهماكهم.
﴿وما أرسلنا مِن قَبْلِكَ من رسولٍ إِلا يوحى إِليه أنه لا إِله إِلا أنا فاعبدون﴾، هذا مقرر لما قبله ؛ من كون التوحيد مما نطقت به الكتب الإلهية، وأجمعت عليه الرسل -
٣٣٧
عليهم السلام - قاطبة. وصيغة المضارع في (يوحى) ؛ لحكاية الحال الماضية ؛ استحضارًا لصورة الوحي العجيبة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قوله تعالى :﴿ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته﴾، العندية، هنا، عندية اصطفاء وتقريب، وهذه صفة العارفين المقربين، لا يستكبرون عن عبادته، بل خاضعون لجلاله وقهريته على الدوام، ولا يستحسرون : لا يملُّون منها ولا يشبعون، غير أنهم يتلونون فيها ؛ من عبادة الجوارح إلى عبادة القلوب ؛ كالتفكر والاعتبار، إلى عبادة الأرواح ؛ كالشهود والاستبصار، إلى عبادة الأسرار ؛ كالعكوف في حضرة الكريم الغفار، يُنزهون الله تعالى في جميع الأوقات، لا يفترون عن تسبيحه بالمقال أو الحال.


الصفحة التالية
Icon