﴿ونبلُوكم﴾، الخطاب : إما للناس كافة بطريق التلوين، أو للكفرة بطريق الالتفات، وسمي ابتلاء، وإن كان عالمًا بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم ؛ لأنه في صورة الاختبار، أي : نختبركم ﴿بالشر والخير﴾، أي : بالفقر والغنى، أو بالضر والنفع، أو بالعطاء والمنع، أو بالذل والعز، أو بالبلاء والعافية، ﴿فتنةً﴾ ؛ اختبارًا، هل تصبرون وتشكرون، أو تجزعون وتكفرون. و ﴿فتنة﴾ : مصدر مؤكد ﴿لنبلوكم﴾، من غير لفظه. ﴿وإِلينا تُرجعون﴾ لا إلى غيرنا، فنجازيكم على حسب ما يُؤخذ منكم ؛ من الصبر والشكر، أو الجزع والكفران. وفيه إيماء إلى أن المقصود من هذه الدنيا : الابتلاء والتعرض للثواب والعقاب. والله تعالى أعلم.
الإشارة : لا بد لهذا الوجود بما فيه أن تنهد دعائمه، وتُسلَب كرائمه، ولا بد من الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن دار التعب إلى دار الهناء، ومن دار العمل إلى دار الجزاء. فالعاقل من أعرض بكليته عن هذه الدار، وصرف وجهته إلى دار القرار، فاشتغل بالتزود للرحيل، وبالتأهب للمسير، فلا مطمع للخلود في هذه الدار، وقد رحل منها الأنبياء والصالحون والأبرار، وتأمل قول الشاعر :
صبرًا في مجال الموت صبرًا
فما نيل الخلود بمستطاع
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٣


الصفحة التالية
Icon