ثم قال تعالى :﴿خُلِقَ الإنْسانُ من عَجَل﴾، العَجَل والعَجَلة مصدران، وهو تقديم الشيء على وقته. والمراد بالإنسان : الجنس، جُعل لفرط استعجاله، وقلة صبره، كأنه خُلق من العَجَلة، والعرب تقول لمن يكثر منه الشيء : خُلق منه، تقول لمن يكثر منه الكرم : خُلق من الكرم. ومن عجلته : مبادرته إلى الكفر واستعجاله بالوعيد. رُوي أنها نزلت في النضر بن الحارث، حين استعجل العذاب بقوله :﴿اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا...﴾ [الأنفَال : ٣٢] الآية، كأنه قال : ليس ببدع منه أن يستعجل، فإنه مجبول على ذلك، وطبعُه، وسجيته.
وعن ابن عباس رضي الله عنه : أن المراد بالإنسان آدم عليه السلام، فإنه حين بلغ الروح صدره أراد أن يقوم. ورُوي : أنه لما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، ولمَّا وصل جوفه اشتهى الطعام، فكانت العجلة من سجيته، وسرت في أولاده. وإنما
٣٤٦
منعَ الإنسان من الاستعجال وهو مطبوع عليه، ليتكمل بعد النقص، كما أمره بقطع الشهوة وقد رَكّبها فيه ؛ لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العَجَلة. قال القشيري : العَجَلةُ مذمومةٌ، والمُسَارَعَةُ محمودةٌ. والفرق بينهما : أن المسارعة : البِدارُ إلى الشيء في أول وقته، والعَجَلة : استقباله قبل وقته، والعَجَلةُ سمة وسوسة الشيطان، والمسارعةُ قضية التوفيق. هـ.
وقال الورتجبي : خلقهم من العَجَلة، وزجرَهم عن التعجيل ؛ إظهارًا لقهاريته على كل مخلوق، وعجزهم عن الخروج عن ملكه وسلطانه. وحقيقة العَجَلة متولدة من الجهل بالمقادير السابقة. هـ. قلت : ما زالت الطمأنينة والرَّزانَةُ من شأن العارفين، وبها عُرفوا، والعَجَل والقلق من شأن الجاهلين، وبها وصفوا.
وقيل : العَجَل الطين، بلغة حِمْير، ولا مناسبة له هنا.


الصفحة التالية
Icon