﴿ولَئِنْ مسّتْهم نفحةٌ﴾ أي : دفعة يسيرة ﴿من عذاب ربك﴾ أي : كائنة منه، ﴿ليقولنَّ يا ويلنا إِنا كنا ظالمين﴾، وهذا بيان لسرعة تأثيرهم من مجيء نفس العذاب، إثر بيان عدم تأثرهم من مجرد الإخبار به، لانهماكهم في الغفلة، أي : والله لئن أصابهم أدنى شيء من هذا العذاب الذي يُنذرون به، لذلوا، ودَعوا بالويل على أنفسهم، وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصامموا وأعرضوا. وقد بُولغ في الكلام، حيث عبَّر بالمس والنفح ؛ لأن النفح يدل على القلة، فأصل النفح : هبوب رائحة الشيء، يُقال : نفحه بعطية، إذا أعطاه شيئًا يسيرًا، مع أن بناءها للمرة مؤكد لقلتها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٠
ثم بيَّن ما يقع عند إتيان ما أنذروه، فقال :﴿ونضع الموازينَ القِسْطَ﴾ أي : نقيم الموازين العادلة التي تُوزن بها الأعمال، وهو جمع ميزان، وهو ما يوزن به الشيء ليُعرف
٣٥١
كمِّيته. وعن الحسن :" هو ميزان له كفتان ولسان "، وإنما جمع الموازين ؛ لتعظيم شأنها، والوزن لصحائف الأعمال في قول، وقيل : وضع الميزان كناية عن تحقيق العدل، والجزاء على حسب الأعمال. وإفراد القسط ؛ لأنه مصدر وصف به ؛ للمبالغة، كأنها في نفسها قسط، أو على حذف مضاف، أي : ذوات القسط. وقوله :﴿ليوم القيامة﴾ أي : لأهل يوم القيامة، أي : لأجلهم، أو في يوم القيامة، ﴿فلا تُظلم نفسٌ شيئًا﴾ من الظلم، ولا تنقص حقًا من حقوقها، بل يُؤتى كل ذي حق حقه، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشر.
﴿وإِن كان مثقالَ حبةٍ من خَرْدَلٍ﴾ أي : وإن كان الشيء أو العمل مثقال حبة من خردل، ﴿أتينا بها﴾ : أحضرناها وجازينا عليها، وأنث ضمير المثقال ؛ لإضافته إلى حبة، ﴿وكفى بنا حاسبين﴾، إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا، أو عالمين حافظين، لأن من حسب شيئًا علمه وحفظه، قاله ابن عباس - رضي الله عنهما -.


الصفحة التالية
Icon