الإشارة : نبي الله لوط عليه السلام لمَّا هاجر من أرض الظلمة إلى الأرض المقدسة، أعطاه الله العلم والحكمة. فكل من هاجر من الغفلة إلى محل الذكر واليقظة، وهجر ما نهى الله عنه عوَّضه الله علمًا بلا تعلم، وأجرى على لسانه ينابيع الحكمة. قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه : إذا اعتقدت النفس على ترك الآثام، جالت في الملكوت، وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة، من غير أن يُؤدِّيَ إليها عالمٌ علمًا. ومصداقه الحديث :" من عمل بما يعلم، ورثه الله عَلْمَ ما لم يعلم " ولمَّا أجهد نفسه في تغيير المنكر نجّاه الله من أذاهم وما لحق بهم، وكذلك نبيه نوح عليه السلام ؛ لما دعا قومه إلى الله، وأجهد نفسه في نصحهم، نجاه الله من شرهم وجعل النسل من ذريته، فكان آدم الأصغر. وهذه عادة الله تعالى في خواصه، يُكثر فروعهم، ويجعل البركة في تركتهم. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٤
قلت :﴿وداود﴾ : عطف على ﴿نوحًا﴾، أو معمول لاذكر، و ﴿إذ يحكمان﴾ : ظرف للمضاف المقدر، أي : اذكر خبرهما، و ﴿إذ نفشت﴾ : ظرف للحكم. ﴿ففهمناها﴾ : عطف على ﴿يحكمان﴾ ؛ فإنه في حكم الماضي.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ اذكر خبر ﴿داودَ وسليمانَ إِذْ يحكمان﴾ أي : وقت حكمهما ﴿في الحرث﴾ أي : في الزرع، أو في الكرم المتدلي عناقيده، والحرث يطلق عليهما، ﴿إِذ نَفَشَتْ﴾ : دخلت ﴿فيه غنمُ القوم﴾ فأفسدته ليلاً، فالنفش : الرعي بالليل، والهمَلُ بالنهار، وهما الرعي بلا راع. ﴿وكنا لحُكمِهم﴾ أي : لهما وللمتحاكمين إليهما، أو على أنَّ أقل الجمع اثنان، ﴿شاهدين﴾، كان ذلك بعلمنا ومرأى منا، لم يغب عنا
٣٦٥
شيء منه، ﴿ففهمناها﴾ أي : الحكومة، أو الفتوى، ﴿سليمانَ﴾، وفيه دليل على أن الصواب كان مع سليمان.


الصفحة التالية
Icon