﴿فلينظر هل يُذهِبَنَّ كيدُه﴾ أي : فليصور في نفسه أنه إن فعل ذلك ؛ هل يذهب نصر الله الذي يغيظه بسبب فعله، وسمى فعله كيدًا، على سبيل الاستهزاء ؛ لأنه لم يكد به محسوده، إنما كاد به نفسه. والمراد : ليس في يده إلا ما لَيْسَ بمُذهب لما يغيظه، فَتَحَصَّل أن الضمير في ﴿ينصره﴾ يعود على النبي ﷺ، وإن لم يتقدم ذكره صراحة، لكنه معهود ؛ إذ الوحي إنما ينزل عليه. وقيل : يعود على ﴿مَن﴾، والمعنى على هذا : من ظن - بسبب ضيق صدره، وكثرة غمه - أن لن ينصره الله، فليختنق وليمت بغيظه، فإنه لا يقدر على غير ذلك، فموجب الاختناق، على هذا، القنوطُ والسخط من القضاء، وسوء الظن بالله تعالى، حتى يئس من نصره.
قال ابن جزي : وهذا القول أرجح من الأول ؛ لوجهين : أحدهما : أن هذا القول مناسب لمن يعبد الله على حرف ؛ لأنه، إذا أصابته فتنة، انقلب وقنط، حتى ظنّ أن لن ينصره الله. ويؤيده من فسّر ﴿أن لن ينصره الله﴾ أي : لن يرزقه ؛ إذ لا خير في حياة تخلو من عون الله عزّ وجلّ، فيكون الكلام، على هذا، متصلاً بما قبله. ويؤيده أيضًا : قوله تعالى، قبله :﴿إن الله يفعل ما يريد﴾ أي : الأمور بيد الله، فلا ينبغي لأحد أن يسخط من قضاء الله، ولا ينقلب إذا أصابته فتنة، والوجه الثاني : أن الضمير في " ينصره "، على هذا، يعود على ما تقدّمه ذكر، دون الأول. هـ. وانظر ابن عطية والكواشي، ففيهما ما يدفع درك ابن جزي، ورده للأول، بما في سبب الآية ونزولها من المناسبة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠١
ثم قال تعالى :﴿وكذلك أنزلناه آيات﴾ أي : ومثل ذلك الإنزال البديع، المنطوي على الحِكَم البالغة، أنزلناه، أي : القرآن الكريم كله، حال كونه ﴿آيات بيناتٍ﴾
٤٠١


الصفحة التالية
Icon