جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٣
قال القشيري : لا عِبْرةً بإظهار الأفعال، سواء كانت بدنيةً أو ماليةً صِرْفًا، أو مما يتعلق بالوجهين، ولكن العبرة بقرائنها من الإخلاص، فإذا انضَافَ إلى الجوارح إخلاص القصود، وتَجَرَّدَتْ عن ملاحظة أصحابِها الأغيار، صَلُحَتْ للقبول، وينال صاحبها القرب، بشهود الحق بنعت التفرد. ثم قال :﴿لتكبروا الله على ما هداكم﴾ وأرشدكم إلى القيام بحقِّ العبودية على قضية الشرع، ﴿وبشر المحسنين﴾، الإحسان، كما في الخبر :" أنْ تعبد الله كَأنك تراه " وأمارةُ صحته : سقوطُ تعب القلب عن صاحِبهِ، فلا يستثقلُ شيئًا ولا يتبرم بشيءٍ. هـ. قلت : خواطر الاستثقال والتبرم لا تضر ؛ لأنه طبع بشري، وإنما يضر ما سكن في القلب.
وقال في الإحياء : ليس المقصود من إراقة دم القربان الدم واللحم، بل ميل القلب عن حب الدنيا، وبذلُها ؛ إيثارًا لوجه الله تعالى، وهذه الصفة قد حصلت عند جزم النية والهمة، وإن عاق عن العمل عائق. فلن ينال الله لحومُها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم، والتقوى ها هنا عمل القلب، من نية القربة، وإرادة الخير، وإخلاص القصد لله، وهو المقصود، وعمل الظاهر مؤكد له، ولذلك كانت نية المؤمن أبلغ من عمله ؛ فإنَّ الطاعات غذاء القلوب، والمقصود : لذة السعادة بلقاء الله تعالى، والتنعم بها، وذلك فرع محبته والأنس به، ولا يكون إلاّ بذكره، ولا يفرغ إلا بالزهد في الدنيا، وترك شواغلها والانقطاع عنها. هـ.
٤١٦
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٣