والسير في الأرض : إمَّا حسي، أو معنوي باعتبار سماع أخبارها من الغير، أو قراءتها في الكتب. فقوله :﴿فتكون لهم قلوب﴾ : راجع للسير الحسي، وقوله :﴿أو آذان﴾ للسير المعنوي. هـ.
﴿فإنها لا تعمى الأبصارُ﴾ الحسية، ﴿ولكن تعمى القلوبُ﴾ عن التفكر والاعتبار، أي : ليس الخلل في مشاعرهم، ولكن الخلل في عقولهم، باتباع الهوى والانهماك في الغفلة. وذكر الصدور ؛ للتأكيد، ونفي توهم التجوز ؛ لأن قلب الشيء : لبه، فربما يقال : إن القلب يراد به هذا العضو، ولكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه، وعينان في قلبه، وتسمى البصيرة، فإن انفتح ما في القلب، وعمي ما في الرأس ؛ فلا يضر، وإن انفتح ما في الرأس وانطمس ما في القلب لم ينفع، والتحق بالبهائم، بل هو أضل.
ثم ذكر علامة عمى القلوب، وهو الاستهزاء بالوعد الحق، فقال :﴿ويستعجلونك بالعذاب﴾ المتوعد به ؛ استهزاء وإنكارًا وتعجيزًا، ﴿ولن يخلف الله وعده﴾ أي : يستعجلون به، والحال أنه تعالى لا يخلف وعده أبدًا، وقد سبق الوعد به، فمن لا يخلف وعده فلا بد من مجيئه، ولو بعد حين. ﴿وإِن يومًا عند ربك كألفِ سنةٍ مما تَعدُّون﴾ أي : كيف يستعجلونك بعذاب من يومْ واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيكم ؛ لأن أيام الشدة طُوال. وقيل : تطول حقيقة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :" يَدْخُلُ الفُقَرَاءُ الجَنَّةَ قِبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْم، وذَلِكَ خَمْسِمِائِةِ سَنَةٍ " ﴿وكأيِّن من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثم أخذتُها﴾ أي كثيرًا من أهل قرية كانوا ظالمين مثلكم، قد أمهلتهم حينًا وأمليت لهم، كما أمليت لكم، ثم أخذتهم بالعذاب والنكال بعد طول الإملاء والإمهال. والإملاء هو الإمهال مع إرادة المعاقبة. ﴿وإِليَّ المصيرُ﴾ أي : المرجع إليَّ، فلا يفوتني شيء من أمر المستعجلين وغيرهم، أو : إلى حكمي مَرجع الكل، لا إلى غيري، لا استقلالاً ولا شركة، فأفعل بهم ما يليق بأعمالهم. والله تعالى أعلم.