﴿لَيَرزقنَّهم الله رزقًا حسنًا﴾، وهو ما لا ينقطع من نعيم الجنان. ومراتب الحسن متفاوتة، فيجوز تفاوت حال المرزوقين، حسب تفاوت أرزاق الجنة. رُوي أن بعض أصحاب النبي ﷺ قالوا : يا نَبِي الله ؛ هؤُلاَءِ الذين قُتِلُوا في سَبِيل اللهِ قَدْ عَلِمْنَا مَا أعْطَاهُمُ الله مِن الخَيْرِ، ونَحْنُ نُجَاهِدُ مَعَكَ كَما جَاهَدُوا، فَمَا لَنَا مَعَكَ ؟ فنزلت :﴿والذين هاجروا…﴾ الآيتين. وقيل : نزلت في طوائف، خرجوا من مكة إلى المدينة، فتبعهم المشركون فقتلوهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٧
ثم قال تعالى :﴿وإِن الله لهو خير الرازقين﴾، فإنه يرزق بغير حساب، مع أنَّ ما يرزقه لا يقدر عليه غيره، ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ﴾، وهو الجنة ؛ لأنَّ فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، قيل : لَمَّا ذكر الرزق ذكر المسكن، ﴿وإِن الله لعليمٌ حليمٌ﴾، عليم بأحوال من قضى نحبه مجاهدًا، وآمال من مات وهو ينتظره معاهدًا، حليم بإمهال من قاتلهم معاندًا.
الإشارة : من لم يصحب العارفين أهل الرسوخ واليقين، لا يمكن أن تنقطع عنه خواطر الشكوك والأوهام، حتى يلقى الله بقلب سقيم، فيُفضي إلى الهوان المقيم. والذين هاجروا في طلب محبوبهم لتكميل يقينهم، ثم قتلوا قبل الوصول، أو ماتوا بعد الوصول، ليرزقنهم الله جميعًا رزقًا حسنًا، وهو لذة الشهود والعيان، في مقعد صدق مع المقربين، ﴿وإن الله لهو خير الرازقين﴾. والمدخل الذي يرضونه : هو القرب الدائم، والشهود المتصل. جعلنا الله من خواصهم بمنِّه وكرمه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٧
قلت :﴿ذلك﴾ : خبر، أي : الأمر ذلك. و ﴿مَن عاقب﴾ : شرط سدّ مسد جوابه، أي : من عاقب بمثل ما عُوقب به ينصره الله.


الصفحة التالية
Icon