﴿وإن قيل لكم ارجِعُوا﴾ أي : إذا كان فيها قوم، وقالوا : ارجعوا ﴿فارجعوا﴾ ولا تُلحُّوا في طلب الإذن، ولا تقِفُوا بالأبواب، ولا تخرقوا الحجاب ؛ لأن هذا مما يُوجب الكراهية والعداوة، وإذا نهى عن ذلك ؛ لأدائه إلى الكراهية ؛ وجب الانتهاء عن كل ما أدى إليها ؛ من قرع الباب بعنف، والتصييح بصاحب الدار، وغير ذلك. وعن أبي عبيد :" ما قرعت باباً على عالم قط ". فالرجوع ﴿وهو أزْكَى لكمْ﴾ أي : أطيب لكم وأطهر ؛ لِمَا فيه من سلامة الصدور والبُعد عن الريبة، والوقوفُ على الأبواب من دنس الدناءة والرذالة. ﴿والله بما تعملون عليم﴾ ؛ فيعلم ما تأتون وما تذرون مما كلفتموه، فيجازيكم عليه. وهو وعيد للمخاطبين.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٦
ليس عليكم جُنَاحٌ﴾
في ﴿أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونةٍ﴾ أي : غير موضوعة لسكنى طائفة مخصوصة، بل يتمتع بها مَنْ يُضطر إليها، من غير أن يتخذها مسكناً ؛ كالرُّبَطِ، والخانات، والحمامات، وحوانيت التجار. ﴿فيها متاعٌ لكم﴾ أي : منفعة ؛ كاستكنانٍ من الحر والبرد، وإيواء الرجال والسلع، والشراء والبيع، والاغتسال، وغير ذلك، فلا بأس بدخولها بغير استئذان. روي أن أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسول الله، إن الله قد أنزل عليك آية في الاستئذان، وإنا لنختلِفُ في تجارتنا إلى هذه الخانات، فلا ندخلها إلا بإذن ؟ فنزلت. وقيل : هي الخرابات، يُتَبَرَّزُ فيها، ويقضون فيها حاجتهم من البول وغيره، والظاهر : أنها من جملة ما ينتظم في البيوت، لا أنها المرادة فقط. ﴿والله يعلم ما تُبدون وما تكتمون﴾، وعيد لمن يدخل مدخلاً من هذه المداخل ؛ لفسادٍ أو اطلاعٍ على عورات. والله تعالى أعلم.
الإشارة : التصوف كله آداب، حتى قال بعضهم : اجعل عملك مِلْحاً وأدبك دقيقاً.


الصفحة التالية
Icon