يقول الحق جل جلاله :﴿قل للمؤمنين﴾، ويندرج فيهم المستأذنون بعد دخولهم البيوت اندراجاً أوَّلِيّاً، أي : قل لهم :﴿يغضُّوا مِنْ أبصارهم﴾، و " مِن " : للتبعيض، والمراد : غض البصر عما يحرم، والاقتصار على ما يحل. ووجه المرأة وكفاها ليس بعورة، إلا خوف الفتنة، فيحل للرجل الصالح أن يرى وجه الأجنبية بغير شهوة. وفي الموطأ : هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم، أو مع غلامها ؟ قال مالك : لا بأس بذلك، على وجه ما يُعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال، وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله. هـ. وقال ابن القطان : فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبي، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا، وقد أبقاه الباجِي على ظاهره، وقال عياض : ليس بواجب أت تستر المرأة وجهها، وإنما ذلك استحباب أو سنَّة لها، وعلى الرجل غض بصره. ثم قال في الإكمال : ولا خلاف أن فرض ستر الوجه مما اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. هـ.
﴿و﴾ قل لهم أيضاً :﴿يحفظوا فُرُوجَهُم﴾، إلا على أزواجهم، أو ما ملكت إيمانهم، وتقييد الغض بمن التبعيضية، دون حفظ الفروج ؛ لِما في النظر من السَّعَة، فيجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها وقدميها، وإلى رأس المحارم والصدور والساقين والعضدين. قاله النسفي. قلت : ومذهب مالك : حرمة نظر الساقين والعضدين من المحرَم، فإن تعذر التحرر مِنْهُ، كشغل البنات في الدار، باديات الأرجلِ، فليتمسك بقول الحنفي، إن لم يقدر على غض بصره. قاله شيخنا الجنوي.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٧
ذلك أَزْكَى لهم﴾ أي : أطهر لهم من دَنَسِ الإثم أو الريبة، ﴿إن الله خبير بما يصنعون﴾، وفيه ترغيب وترهيب، يعني : أنه خبير بأحوالهم وأفعالهم، فكيف يجيلون أبصارهم، وهو يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور ؟ ! فعليهم، إذا عرفوا ذلك، أن يكونوا منه على حَذر.