جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٧
وقوله تعالى :﴿ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها﴾، قال بعضهم : لا يجوز كل ما يستدعي فِتْنَةً للغير ؛ من إظهار حال مع الله، مما هو زينة السريرة، فلا يظهر شيئاً من ذلك إلا لأهله، إلا إذا ظهر عليه شيئ من غير إظهار منه، ولا قصدَ غير صالح. هـ. فلا يجوز إظهار العلوم التي يفتتن بها الناس ؛ من حقائق أسرار التوحيد، ولا من الأحوال التي تُنكرها الشريعة، فَيُوقِعُ النَّاسَ في غيبته. وأما قَضِيَّةُ لِصَّ الحَمَّامِ ؛ فحال غالبة لا يقتدى بها.
٧٠
والله تعالى أعلم.
ثم أمر بالتوبة ؛ لأن النظر لا يسلم منه أحد في الغالب. فقال :
﴿... وَتُوبُوااْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
يقول الحق جل جلاله :{وتوبوا إلى الله جميعاً أَيُّه المؤمنون﴾ ؛ إذ لا يكاد يخلو أحدكم من تفريط، وَلاَ سيما في الكف عن الشهوات، وقيل : توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية، فإنه، وإن جُبّ بالإسلام، لكن يجب الندم عليه، والعزم على الكف عنه، كلما يُتَذَكَّرُ، ويَخْطِرُ بالبال. وفي تكرير الخطاب بقوله :﴿أية المؤمنون﴾ : تأكيد للإيجاب، وإيذان بأن وصف الإيمان موجب للامتثال، حَتْماً. قيل : أحوج الناس إلى التوبة من توهم أنه ليس له حاجة إلى التوبة. وظاهر الآية : أن العصيان لا ينافي الإيمان، فبادروا بالتوبة ﴿لعلكم تفلحون﴾ ؛ تفوزون بسعادة الدارين. وبالله التوفيق.
الإشارة : التوبة أساس الطريق، ومنها السير إلى عين التحقيق، فَمَنْ لاَ تَوْبَةَ لَهُ لا سَيْرَ لَهُ، كمن يبني على غير أساس. والتوبة يَحْتَاجُ إليها المبتدىء والمتوسط والمنتهي، فتوبة المبتدىء من المعاصي والذنوب، وتوبة السائر : من الغفلة ولوث العيوب، وتوبة المنتهي : من النظر إلى سوى علام الغيوب.
قال ابن جزي : التوبة واجبة على كل مكلف، بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة.