﴿ولقد أنزلنا إليكم آياتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ ؛ مُو ضِّحَات، أو : واضحات المعنى، والمراد : الآيات التي بُينت في هذه السورة، وأوضحت معاني الأحكام والحدود. وهو كلام مستأنف جيء به في تضاعيف ما ورد من الآيات السابقة واللاحقة ؛ لبيان جلالة شأنها، المقتضي للإقبال الكلي على العمل بمضمونها. وصُدر بِالْقَسَمِ الذي تُعرب عنه اللام ؛ لإبراز كمال العناية بشأنها. أي : والله، لقد أنزلنا إليكم، في هذه السورة الكريمة، آيات مبينات لكل ما لكم حاجة إلى بيانه ؛ من الحدود وسائر الأحكام، وإسناد البيان إليها : مجازي، أو : آيات واضحات تصدقها الكتب القدسية والعقول السليمة، على أن " مُبَيِّنات "، مِنْ بيَّن، بمعنى تبين، كقولهم في المثل :" قد بيَّن الصبح لذي عينين "، أي : تبين. ومن قرأها بالبناء للمفعول، فمعناه : قد بيَّن الله فيها الأحكام والحدود.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٧١
ومثلاً من الذين خَلَوا مِن قبلكم﴾ أي : وأنزلنا مثلاً من أمثال مَنْ قَبْلَكُم، من القصص العجيبة، والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة، والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء والحكماء، فتنتظم قصة عائشة - رضي الله عنها - المحاكية لقصة يوسف عليه
٧٦
السلام وقصة مَرْيَمَ، وسائر الأمثال الواردة في السورة الكريمة، انتظاماً واضحاً. وتخصيص الآيات البينات بالسوابق، وحمل المثل على قصة عائشة المحاكية لقصة يوسف ومريم، يأباه تعقيب الكلام بما سيأتي من التمثيلات.
﴿و﴾ أنزلنا ﴿موعظةً للمتقين﴾ يتعظون بها، وينزجرون عما لا ينبغي من المحرمات والمكروهات وسائر ما يخُل بمحاسن الآداب، والمراد : ما وعظ به من الآيات والمثل، مثل قوله :﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور : ٢]، و ﴿لَّوْلاا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ...﴾ [النور : ١٢] إلخ، ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ﴾ [النور : ١٧].