يقول الحق جل جلاله :﴿الله نورُ السموات والأرض﴾ أي : منور أهلهما [بنور الإسلام والإيمان ؛ لأهل الإيمان]، وبنور الإحسان ؛ لأهل الإحسان، فحقيقة النور : هو الذي تنكشف به الأشياء على ما هي عليه، حسية أو معنوية، والمراد هنا : المعنوية ؛ بدليل قوله ﴿يهدي الله لنُوره من يشاء﴾، فإن انكشف به أحكام العبودية، باعتبار المعاملة الظاهرة، يُسمّى : نُورُ الإسلام، وإن انكشف به أوصاف الذات العلية وكمالاتها، من طريق البرهان، يُسمى : نُور الإيمان، وإن انكشف به حقيقة الذات وأسرارها، من طريق العيان، يُسمى : نور الإحسان. فالأول : يشبه نور النجوم، والثاني : نور القمر، والثالث نور الشمس، ولذلك تقول الصوفية : نجوم الإسلام، وقمر الإيمان، وشمس العرفان.
ثم ضرب المثل لذلك النور، حين يقذفه في قلب المؤمن، فقال ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ أي : صفة نوره العجيبة في قلب المؤمن - كما هي قراءة ابن مسعود - ﴿كمشكاةٍ﴾ أي : كَصِفَةِ مِشْكَاةٍ، وهي الكُوَّةُ في الجدار غير النافذة ؛ لأن المصباح فيها يكون نوره مجموعاً، فيكون أزهر وأنور، ﴿فيها مصباح﴾ أي : سراج ضخم ثاقب، ﴿المصباحُ في زجاجة﴾ أي : في قنديل من زجاج صافٍ أزهر، ﴿الزجاجةُ﴾ من شدة صفائها ﴿كأنها كوكب دُرِّيِّ﴾ ؛ بضم الدال وتشديد الراء، منسوب إلى الدر ؛ لفرط ضيائه وصفائه، وبالكسر والهمز :" أبو عمرو " ؛ على أنه يدْرأ الظلام بضوئه. وبالضم والهمز : أبو بكر وحمزة، شبهه بأحد الكواكب الدراري، كالمشتري والزهرة ونحوهما. ﴿تَوَقَدُ﴾ بالتخفيف والتأنيث، أي : الزجاجة، أو ﴿يُوقَدُ﴾ بالتخفيف والغيب، أو :﴿تَوَقَّدَ﴾ بالتشديد، أي : المصباح ﴿من شجرةٍ﴾ أي من زيت شجرة الزيتون، أي : رويت فتيلته من زيت ﴿شجرةٍ مباركةٍ﴾ ؛ كثيرة المنافع، أو : لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين، وهي الشام، وقيل : بارك فيها سبعون نبياً، منهم إبراهيم عليه السلام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٧٧