يفعلون ذلك الاستغراق في التسبيح والذكر، مع الخوف ؛ ﴿ليجزيهم الله أحسنَ ما عَمِلُوا﴾ أي : أحسن جزاء أعمالهم، حسبما وعدهم بمقابلة حسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، ﴿ويزيدَهُم من فَضْلِه﴾ أي : يتفضل عليهم بأشياء وعدهم بها، لم تخطر على بال ؛ كالنظر إلى وجهه، وزيادة كشف ذاته، فهو كقوله :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَىا وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس : ٢٦]. ﴿والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ أي : يثيب من يشاء ثواباً لا يدخل تحت حساب الخلق، و " مَنْ " : واقعة على من ذُكِرَتْ أوصافهم الجميلة، كأنه قيل : والله يرزقهم بغير حساب، ووضعه موضع ضميرهم ؛ للتنبيه على أن مناط الرزق المذكور مَحْضُ مشيئتِه تعالى، لا أعمالهم المحكية، ويحتمل أن يريد بالرزق ما يرزقهم في الدنيا مما يقوم بأمرهم، حين تَبتَّلُوا إلى العبادة، يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون، من غير حَصْرٍ ولا عد. والله تعالى أعلم.
الإشارة : البيوت التي أَذِنَ الله أن تُرفع هي القلوب، التي هي معدن الأسرار ومحل مصابيح الأنوار، ورفعها : صونها من الأغيار، وتطهيرها من لوث الأكدار، وبُعدها من جيفة الدنيا، التي هي مجمع الخبائث والأشرار، ليُذكَرَ فيها اسم الله، كثيراً، على نعت الحضور والاستهتار، وإنما يمكن ذلك من أهل التجريد والانقطاع إلى الله، الذين لا
٨١
تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب عن حضرة الله، والأبصار عن شهود الله، وذلك بشؤم الغفلة في الدنيا عن الله، والقيام بحقوق الله، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا، في جنة الزخارف، ويزيدهم من فضله التَّنَزُّهَ في جنة المعارف. والله يرزق من العلوم والمعارف من يشاء بغير حساب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٠