ثم ضرب مثلاً لأعمالهم في الدنيا، فقال :﴿أوْ كظلماتٍ﴾، " أو " : للتنويع، ﴿في
٨٢
بحرٍ لجيِّ﴾ ؛ عميق كثير الماء، منسوب إلى اللج، وهو معظم ماء البحر، ﴿يغشاه﴾ أي : يغشى البحر، أو مَن فيه، أي : يعلوه ويغطيه بالكلية، ﴿موجٌ﴾ هو ما ارتفع من الماء، ﴿من فوقه موجٌ﴾ أي : من فوق الموج موج آخر، ﴿من فوقه سَحَابٌ﴾ ؛ من فوق الموج الأعلى سحاب، ﴿ظلماتٌ﴾ أي : هذه ظلمات ؛ ظلمة السحاب، وظلمة الأمواج وظلمة البحر، ﴿بعضُها فوق بعض﴾ ؛ ظلمة الموج على ظلمة البحر، وظلمة الموج على ظلمة الموج الأسفل، وظلمة السحاب على الموج، وهذا أعظمُ للخوف وأقربُ للعطب، لأنه يغطي النجوم التي يهتدي بها ويشتد معه الريح والمطر، وذلك يؤكد التلف، ﴿إذا أخرج يده﴾ أي : الواقع فيه، أو مَن ابْتُلِيَ بها، ﴿لم يكد يراها﴾ ؛ مبالغة في " لم يرها "، أي : لم يقرب أن يراها، فضلاً عن أن يراها. شبّه أعمالهم، في ظلمتها وسوادها ؛ لكونها باطلة، وخلوها عن نور الحق، بظلماتٍ متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب.
قال ابن جُزَيّ : لما ذكر حال المؤمنين عَقَّبَ ذلك بمثالين لأعمال الكفار ؛ الأول : يقتضي حال أعمالهم في الآخرة، وأنها لا تنفعهم، بل يضمحل ثوابها كما يضمحل السراب. والثاني : يقتضي حال أعمالهم في الدنيا، وأنها في غاية الفساد والضلال، كالظلمة التي بعضها فوق بعض. ثم قال : وفي وصف هذه الظلمات مبالغة، كما أن في وصف النور المذكور قبلها مبالغة. هـ. وقوله : لما ذكر حال المؤمنين، يعني بقوله :﴿رجال لا تلهيهم..﴾ إلخ، الله بقوله :﴿يهدي الله لنوره من يشاء﴾، وقيل : كلا المثالين في الآخرة، يخيبون من نفعها، ويخوضون في بحر ظلمتها.