ثم هددهم على المخالفة بقوله :﴿فليحذرِ الذين يُخالفون عن أمره﴾ أي : الذين يصدون عن أمره، يقال : خالفه إلى الأمر : إذا ذهب إلى دونه، ومنه :﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىا مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ [هود : ٨٨]، وخالفه عن الأمر : إذا صد عنه. والضمير : إما لله سبحانه، أو للرسول عليه الصلاة والسلام -، وهو أنسب ؛ لأنه المقصود بالذكر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٤
والمعنى : فليحذر الذين يخالفون عن طاعته ودينه وسنَّته، ﴿أن تُصيبَهم فتنةٌ﴾ ؛ محنة في الدنيا ؛ كقتل أو زلازل وأهوال، أو تسليط جائر، أو عدو، أو قسوة قلب. أو كثرة دنيا ؛ استدراجاً وفتنة.
قال القشيري : سعادة الدارين في متابعة السُّنَّة، وشقاوتهما في مخالفتها، ومما يصيب من خالفها : سقوط حشمة الدين عن القلب. هـ.
﴿أو يُصيبهم عذابٌ أليم﴾ في الآخرة. والآية تدل على أن الأمر للإيجاب، وكلمة " أو " : لمنع الخلو، دون منع الجمع. وإعادة الفعل صريحاً ؛ للاعتناء بالتهديد والتحذير.
﴿أَلاَ إنَّ لله ما في السمواتِ والأرضِ﴾ من الموجودات، خلقاً وملكاً وتصرفاً،
١٠٥
وإيجاداً وإعداماً، بَدْءاً وإعادةً، و " ألاَ " : تنبيه على أن يخالفوا من له ما في السموات والأرض. ﴿قد يعلمُ ما أنتم عليه﴾ أيها المُكَلَّفُون، من الأحوال والأوضاع، التي من جملتها الموافقةُ والمخالفةُ، والإخلاصُ والنفاقُ. وأدخل " قد " ؛ ليؤكد علمه بما هم عليه، ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد. والمعنى : أن جميع ما استقر في السموات تحت ملكه وسلطانه وإحاطة علمه، فكيف يخفى عليه أحوال المنافقين، وإن اجتهدوا في سترها ؟ ! ﴿ويوم يُرجعون إليه﴾ أي : ويعلم يوم يُردون إلى جزائه، وهو يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon