وقيل : النضر فقط، والجمع ؛ لمشايعة الباقين له في ذلك. قالوا :﴿إنْ هذا﴾ ؛ ما هذا القرآن ﴿إلا إفكٌ﴾ ؛ كذب مصروف عن وجهه ﴿افتراه﴾ ؛ اختلقه واخترعه محمد من عند نفسه، ﴿وأعانة عليه﴾ أي : على اختلاقه ﴿قومٌ آخرون﴾، يعنون : اليهود، بأن يلقوا إليه أخبار الأمم الدارسة، وهو يعبر عنها بعبارته. وقيل : هم عدَّاس، ويسار، وأبو فكيهة الرومي، كان لهم علم التوراة والإنجيل. ويحتمل : وأعانه على إظهاره وإشاعته قوم آخرون، ممن أسلم معه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى :﴿فقد جاؤوا﴾، وأتوا ﴿ظُلماً﴾ أو : بظلم، فقد تستعمل (جاء) بمعنى فعل، فتتعدى تعديته، أو بحرف الجر، والتنوين للتفخيم، أي : جاؤوا ظلماً هائلاً عظيماً ؛ حيث جعلوا الحق البيِّن، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إفكاً مفترى من قول البشر، وجعلوا العربي الفصيح يتلقى من العجمي الرومي، وهو من جهة نظمه الفائق وطرازه الرائق ؛ لو اجتمعت الإنس والجن على مباراته لعجزوا عن مثل آية من آياته. ومن جهة اشتماله على الحكم العجيبة، المستتْبعة للسعادات الدينية والدنيوية، والأمور الغيبية، بحيث لا يناله عقول البشر، ولا تفي بفهمه الفهوم، ولو استعملوا غاية القوى والقدر. ﴿و﴾ أتوا أيضاً ﴿زُوراً﴾ أي : كذباً كثيراً، لا يُبْلَغُ غايتُه ؛ حيث نسبوا إليه ﷺ ما هو بريء منه.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٩
وقالوا أساطيرُ الأولين﴾
أي : هو أحاديث المتقدمين، وما سطروه من خرافاتهم ؛ كرُستم وغيره. جمع أسطار، أو أسطورة، ﴿اكتتبها﴾ ؛ كتبها لنفسه، أو : استكتبتها فكُتبت له، ﴿فهي تُملى عليه﴾ أي : تُلقى عليه من كتابه ﴿بكرةً﴾ : أول النهار ﴿وأصيلاً﴾ ؛ آخره، فيحفظ ما يتلى ثم يتلوه علينا. انظر هذه الجرأة العظيمة، قاتلهم الله، أنى يؤفكون ؟.


الصفحة التالية
Icon