والحاصل : أنهم يُنكرون البعث بالكلية، فأطلق الرجاء على التوقع. وقيل : لا يخافون لقاءنا ؛ لأن الرجاء في لغة تهامة : الخوف، قالوا :﴿لولا﴾ ؛ هلا ﴿أنزل علينا الملائكةُ﴾ رسلاً دون البشر، أو : يشهدون بنبوة محمد ودعوى رسالته، ﴿أو نرى ربَّنا﴾ جهرة، فيخبرنا برسالته، ويأمرنا باتباعه، وإنما قالوا ذلك ؛ عناداً وعتواً.
قال تعالى :﴿لقد استكبروا في أنفسهم﴾ أي : أضمروا الاستكبار، وهو الكفر والعناد في قلوبهم، أو : عظموا في أنفسهم حتى اجترؤوا على التفوه بمثل هذه العظيمة الشنعاء، ﴿وعَتَواْ﴾ أي تجاوزوا الحد في الظلم والطغيان ﴿عُتواً كبيراً﴾ ؛ بالغاً أقصى غاياته، أي : إنهم لم يجترئوا على هذا القول العظيم ؛ إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار، وأقصى العتو، حتى أمَّلوا نيل المشاهدة والمعاينة والمفاوضة التي اختص بها أكابر الرسل وخاصة الأولياء، بعد تطهير النفوس وتصفية القلوب والأرواح. وهذا كقولهم :﴿وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ...﴾ [الإسراء : ٩٠] إلى قوله :﴿أَوْ تَأْتِىَ بِاللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً﴾ [الإسراء : ٩٢]. ولم يكتفوا بما رأوا من المعجزات القاهرة ؛ فذهبوا في الاقتراح كل مذهب، حتى منَّتهم أنفسهم الخبيثة أمالي سُدت دونها مطامع النفوس القدسية. واللام : جواب قسم محذوف، أي : والله لقد استكبروا.. الآية. وفيه من الدلالة على قُبح ما هم عليه، والإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم، ما لا يخفى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١١٩