وقيل : هو قول الملائكة، أي : تقول الملائكة للمجرمين، حين يرونهم : حِجْراً محجوراً، أي : حراماً محرماً عليكم البشرى، أي : جعل الله ذلك حراماً عليكم، إنما البشرى للمؤمنين. و (الحجر) : مصدر، يُفتح ويكسر، وقرئ بهما. من حَجَرَهُ ؛ إذا منعه. وهو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها. ومحجوراً : لتأكيد معنى الحجر، كما قالوا : موت مائت. وانظر ما وُجِّه بِهِ وقْفُ الهبطى على " حِجْراً " ؛ فلعله الأوجه له.
ثم ذكر مآل أعمالهم، فقال :﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً﴾ الهباء : شِبْهُ غُبَارٍ يُرى في شعاع الشمس، يطلع من كُوَّة. والقدوم هنا : مجاز. مُثلتْ حال هؤلاء الكفرة وأعمالهم التي عملوها في كفرهم ؛ من صلة رحم، وإغاثة ملهوف، وقِرى ضيف، وعِتقٍ، ونحو ذلك، بحال من خالف سلطانه، فقدم إلى أشيائه، وقصد إلى ما تحت يديه، فأفسدها، ومزقها كل ممزق، ولم يترك لها عيناً ولا أثراً، أي : عمدنا إليها وأبطلناها، أي : أظهرنا بطلانها بالكلية، من غير أن يكون هناك قدوم. والمنثور : المفرّق، وهو استعارة عن جَعْلِهِ لا يقبل الاجتماع ولا يقع به الانتفاع.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١١٩
ثم ذكر ضدهم، فقال :﴿أصحابُ الجنة يومئذٍ خيرٌ مُستقراً﴾ أي : مكاناً يستقرون فيه، والمستقر : المكان الذي يستقر فيه في أكثر الأوقات، للتجالس والتحادث، ﴿وأحسن مَقِيلاً﴾ : مكاناً يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم. ولا نوم في الجنة، ولكنه سمي مكان استرواحهم إلى أزواجهم الحور مقبلاً ؛ على طريق التشبيه. ورُوي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
وقال سعيد الصواف : بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين، حتى يكون ما بين العصر إلى غروب الشمس، إنهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من حساب الناس.


الصفحة التالية
Icon