﴿وهو الذي جعل اليللَ والنهارَ خِلْفةً﴾ أي : ذو خلفة ؛ يخلف كل واحد منهما الآخر، بأن يقوم مقامه، فيما ينبغي أن يعمل فيه، فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر. قال قتادة : فأروا الله تعالى من أعمالكم خيراً في هذا الليل والنهار، فإنهما مطيتان تقحمان الناس إلى آجالهم، تقربان كل بعيد، وتبليان كل جديد، وتجيئان بكل موعود.
وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : فاتتني الصلاةُ الليلةَ، فقال : أدرِكْ ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفة ﴿لمن أراد أن يذَّكَّر﴾. هـ. أي : يتذكر آلاء الله - عز وجل -، ويتفكر في بدائع صنعه فيعلم أنه لا بد له من صانع حكيم. وقرأ حمزة وخلف :" يَذْكُرَ " أي : يذكر الله في قضاء ما فاته في أحدهما، ﴿أو أراد شكوراً﴾ أي : شكر نعمة ربه عليه فيهما، فيجتهد في عمارتهما بالطاعة ؛ شكراً. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٣
الإشارة : تبارك الذي جعل في سماء القلوب أو الأرواح بروجاً ؛ منازل ينزلها السائر، ثم يرحل عنها، وهي مقامات اليقين ؛ كالخوف، والرجاء، والورع، والزهد، والصبر، والشكر، والرضا، والتسليم، والمحبة، والمراقبة، والمشاهدة، والمعاينة. وجعل فيها سراجاً، أي : شمس العرفان لأهل الإحسان، وقمراً منيراً، وهو توحيد البرهان لأهل الإيمان. وهو الذي جعل ليل القبض ونهار البسط خِلْفةً، يخلف أحدهما الآخر، لمن أراد أن يذكر في ليل القبض، ويشكر في نهار البسط. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٣