والتعرض لعنوان الرحمة ؛ لتغليظ شناعتهم، وتهويل جنايتهم ؛ فإن الإعراض عما يأتيهم من جنابه عز وجل على الإطلاق شنيع قبيح، وعما يأتيهم بموجب الرحمة، لمحض منفعتهم، أشنع وأقبح، أي : ما يأتيهم من موعظة من المواعظ القرآنية، أو من طائفة نازلة من القرآن تُذكّرهم أكمل تذكير، وتنبهُهم من الغفلة أتم تنبيه، بمقتضى رحمته الواسعة، إلا جددوا إعراضاً عنه ؛ على وجه التكذيب والاستهزاء ؛ إصراراً على ما كانوا عليه من الكفر والضلال. ﴿فقد كذَّبوا﴾ بالذكر الذي يأتيهم تكذيباً مقارناً للاستهزاء، ﴿فسيأتيهم﴾ أي : فسيعلمون ﴿أنباءُ﴾ أي : أخبار ﴿وما كانوا به يستهزئون﴾، وأنباؤه : ما يحيق بهم من العقوبات العاجلة والآجلة، عبّر عنها بالأنباء ؛ إما لكونها مما أنبأ بها القرآن الكريم، وإما لأنهم، بمشاهدتها، يقفون على حقيقة القرآن الكريم، كما يقفون على الأحوال الخافية عنهم، باستماع الأنباء. وفيه تهويل ؛ لأن الأنباء لا تُطلق إلا على خبر خطير له وقع كبير، أي : فسيأتيهم لا محالة مِصداق ما كانوا يستهزئون به، إما في الدنيا، كيوم بدر وغيره من مواطن الحتُوف، أو يوم القيامة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : طسم، الطاء تشير إلى طهارة سره - عليه الصلاة والسلام -، والسين تُشير
١٥٢
إلى سيادة قدره، والميم إلى مَجَادة أمره، وهذا بداية الشرف ونهايته. أو : الطاء تشير إلى التنزيه للقلب، من حيث هو، والتطهير، والسين تشير إلى تحليته بالسر الكبير، والميم تشير إلى تصرفه في الملك والملكوت بإذن العلي الكبير. وهذه بداية السير ونهايته، فيكون حينئذٍ عارفاً بالله، خليفة رسول الله في العودة إلى الله، فإنْ حرص على هداية الخلق فيقال له :﴿لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين﴾، فلو شاء ربك لهدى الناس جميعاً، ولا يزالون مختلفين، ﴿ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين﴾. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥١