﴿قال﴾ فرعونُ :﴿إنّ رَسُولَكُمْ الذي أُرْسِلَ إِليكُمْ لمجنون﴾ ؛ حيث يزعم أن في الوجود ألهاً غيري، أو : حيث لا يطابق جوابه سؤالي ؛ لأني أسأله عن الحقيقة وهو يجيبني بالخاصية، ﴿قال﴾ موسى عليه السلام :﴿ربُّ المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون﴾ فتستدلون بما أقول حتى تعرفوا ربكم. وهذا غاية الإرشاد، حيث عمم أولاً بخلق السموات والأرض وما بينهما، ثم خصص من العام أنفسهم وآباءهم ؛ لأنّ أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه، ومن ولد منه، وما شاهد من أحواله، من وقت ميلاده إلى وفاته، ثم خصّص المشرق والمغرب ؛ لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبهما في الآخر، على تقدير مستقيم وحساب مستوٍ، من أقوى الدلائل على وحدانية الربوبية، ووجوب وجودها. أو : تقول : لما سأله عن ماهية الربوبية ؛ جهلاً ؛ فأجابه، بالخاصية، ﴿قال ألا تستمعون﴾ ؟ فعاد موسى إلى مثل قوله، فجنّنه فرعون، زاعماً أنه حائد عن الجواب، فعاد ثالثاً مبيناً أن الواجب الوجود، الفردَ الصمد، لا يدرك بالكُنْهِ، إنما يعرف بالصفات، وما عرفه بالذات إلا خواص الخواص، فالسؤال عن الذات من أمثاله جهل وحمق. ولذلك قال :﴿إن كنتم تعقلون﴾، أي : إن كان لكم عقل علمتم أنه لا يمكن أن تعرفوه إلا بهذا الطريق.
قال ابن جزيّ : إن قيل : كيف قال أولاُ :﴿إن كنتم موقنين﴾، ثم قال آخراً :﴿إن كنتم تعقلون﴾ ؟ فالجواب : أنه لاَيَنَ أولاً ؛ طمعاً في إيمانهم، فلما رأى منهم العناد والمغالطة وبخهم بقوله " إن كنتم تعقلون "، وجعل ذلك في مقابلة قول فرعون :﴿إن رسولكم الذي أُرسل إليكم لمجنون﴾. هـ.