﴿قال آمنتم له قبل أنْ آذنَ لكم﴾ أي : بغير إذن لكم، كما في قوله تعالى :﴿قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ [الكهف : ١٠٩]، لا أن الإذن منه ممكن أو متوقع، ﴿إنه لكبيرُكم الذي علّمكم السحرَ﴾ فتواطأتم على ما فعلتم ؛ مكراً وحيلة. أراد بذلك التلبيس على قومه ؛ لئلا يعتقدوا أنهم آمنوا على بصيرة وظهور حق. ثم هَدَّدَهُم بقوله :﴿لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ﴾، يداً من جهة ورجلاً من أخرى، أو : من أجل خلافٍ ظهر منكم، ﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قيل : إنه فعل ذلك، ورُوي عن ابن عباس وغيره، وقيل : إنه لم يقدر على ذلك، لقوله تعالى :﴿أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص : ٣٥].
﴿قالوا﴾ أي : السحرة :﴿لا ضَيْرَ﴾ أي : لا ضرر علينا في ذلك، فحذف خبر " لا "، ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا﴾ الذي عرفناه وواليناه ﴿منقلبون﴾ لا إليك، فيُكرم مثوانا ويُكفر خطايانا، أو : لا ضرر علينا توعدتنا به ؛ إذ لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بالموت، فلأن يكون في ذاته وسبب دينه أولى، قال الورتجبي : لَمَّا عاينوا مشاهدة الحق سَهُلَ عليهم البلاء، لا سيما أنهم يطمعون أن يصلوا إليه، بنعت الرضا والغفران. هـ. ولذلك قالوا :﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا﴾ أي : لأن كنا ﴿أَوَّلَ المؤمنين﴾ من أهل المشهد، أو : من أَتْبَاعِ فرعون.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦١
الإشارة : من شأن خواص الملك ألا يفعلوا شيئاً إلا بإذنٍ من ملكهم، ولذلك أنكر فرعونُ على السحرة المبادرة إلى الإيمان قبل إذنه، وبه أخذت الصوفية الكبار والفقراء مع أشياخهم، فلا يفعلون فعلاً حتى يستأذنوا فيه الحق تعالى والمشايخ، وللإذن سر كبير، لا يفهمه إلا من ذاق سره. وتقدم بقية الإشارة في سورة الأعراف. والله تعالى أعلم.
١٦٢
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦١


الصفحة التالية
Icon