ثم قال :﴿رَبِّ نَجّنِي وأهلي مما يعملون﴾ ؛ من عقوبة عملهم، ﴿فنجَّيناه وأهله أجمعين﴾ يعني : بناته، ومن آمن معه، ﴿إلا عجوزاً﴾ هي امرأته، وكانت راضية بذلك، والراضي بالمعصية في حكم العاصي، ولو لم يحضر. واستثناؤها من الأهل ؛ لأنها داخلة فيه - ولو لم تكن مؤمنة - ؛ لاشتراكها في الأهلية بحق الزواج. بقيت ﴿في الغابرين﴾ ؛ في الباقين في العذاب، وهي صفة لها. والغابر في اللغة : الباقي، كأنه قيل : إلا عجوزاً غابرة، أي : مُقَدَّراً غبورها ؛ إذ الغبور لم يكن صفتها وقت نجاتهم.
﴿ثم دمَّرنا الآخَرِين﴾ أي : أهلكناهم أشد إهلاك وأفظعه، ﴿وأمطرنا عليهم مطراً﴾ أي : مطراً غير معهود. وعن قتادة : أمطر الله على شُذّاذ القوم، أي : الخارجين عن البلد - حجارة من السماء فأهلكهم، وقلب المدينة بمن فيها. وقيل : لم يرض بالقلب فقط حتى أتبعهم مطراً من حجارة، ﴿فساءَ مطرُ المنذَرين﴾ أي : قَبُحَ مَطَرُ المنذرين مطرهم، فالمخصوص محذوف. ﴿إن في ذلك لآيةً وما كان أكثرُهم مؤمنين﴾، بل لم يؤمن به إلا بناته وناس قليلون. أو : ما كان أكثر قريش بمؤمنين بهذا، ﴿وإِن ربَّك لهو العزيز﴾ الغالب، ﴿الرحيم﴾ ؛ حيث لم يُعاجل بالعقوبة لمن استحقها.
١٨٢
الإشارة : من شناعة هذه المعصية حذر الصوفية من مخالطة الشبان، وكذلك النساء.
وما أُولِعَ فقيرٌ بمخالطتهما فأفلح أبداً، إن سلم من الفاحشة اتُّهِمَ بها، ولا يحل لامرئ يُؤمن بالله واليوم الآخر أن يقف مواقف التهم. والنظر إلى محاسن النساء والشبان فتنة، وهي كالعقارب، الصغيرة تلدغ، والكبيرة تلدغ، فالسلامة البُعد عن ساحتهن، إلا على وجهٍ أباحته الشريعة، كالتعليم أو التذكير، مع غَضِّ البصر، أو حجابٍ بينه وبينهن، وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨١