وقال الورتجبي على هذه الآية : أخبر الله سبحانه أن قلب محمد ﷺ محل نزول كلامه الأزلي ؛ لأنه مصفى من جميع الحدثان، بتجلي مشاهدة الرحمن، فكان قلبه ـ عليه الصلاة والسلام ـ صَدَف لآلِئَ خطابِ الحق، يسْبَح في بحار الكرم، فيتلقف كلام الحق من الحق بلا واسطة، وذلك سر عجيب وعلم غريب ؛ لأنه يجمع كلام الحق وما اتصل به، وكلامه لم ينفصل عنه، وكيف تفارق الصفات الذات، لكن أبقى في قلبه ظاهره وعلمه وسره، فجبريل ـ عليه السلام ـ في البين : واسطة لجهة الحرمة، وذكر ذلك بقوله :﴿نزل به الروح الأمين على قلبك...﴾ ؛ لأن القلب معدن الإلهام والوحي والكلام والرؤية والعرفان، به يحفظ الكلام. وفائدة ذلك : الإعلام بسر وجود الإنسان، وأنه ليس شيء يليق بالخطاب ونزول الأنباء إلا قلبه، وكل قلب مسدود بعوارض البشرية لا يسمع خطاب الحق، ولا يرى جمال الحق. قال أبو بكر بن طاهر : ما أنزله على جبريل جعله محلاً للإنذار، لا التحقيق، والحقيقة هو ما تلقفه من الحق، فلم يخبر عنه، ولم يشرف عليه خلق من الجن والإنس والملائكة ؛ لأنه ما أطاق ذلك أحد سواه. وما أنزل جبريل جعله للخلق، فقال :﴿لتكون من المنذرين﴾ بما نزل به جبريل على قلبك المتحقق، فإنك متحقق بما كافحناك به، وخاطبناك على مقامٍ لو شاهدك فيه جبريل لاحترق. هـ. على تصحيف في النسخة. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٥
يقول الحق جل جلاله : توبيخاً لمن اقترح نزول العذاب، كقولهم :﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال : ٣٢] ﴿أفبعذابنا يستعجلون﴾ مع كونهم لا يطيقونه إذا نزل بهم ؟ وتقديم الجار ؛ للإيذان بأن مصب الإنكار والتوبيخ هو كون المُسْتَعْجَلِ به عذابَه، مع ما فيه من رعاية الفواصل.