الإشارة : يقول الحق جل جلاله، في جانب أهل البطالة والغفلة : أفرأيت إن متعناهم سنين بالأموال والنساء والبنين، فاشتغلوا بجمع الأموال والدثور، وبناء الغرف وتشييد القصور، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون من الموت، والرحيل من الأوطان، ومفارقة الأحباب والعشائر والإخوان، أيُّ شيء أغنى عنهم ما كانوا يتمتعون به، من لذيذ المآكل والمشارب، ومفاخر الملابس والمراكب، هيهات هيهات، قد انقطعت اللذات، وفنيت الشهوات، وما بقي إلا الحسرات، فتأمل أيها العبد فيما مضى من عمرك، فما بقي في يدك منه إلا ما كان في طاعة مولاك، من ذكرٍ، ، أو تلاوةٍ، أو صلاةٍ، أو صيام، أو علم نافع، أو تعليم، أو فكرة، أو شهود، وما سوى ذلك بطالة وخسران، فالوقت الذي تصرفه في طاعة مولاك ذخائره موجودة، وكنوزه مَذْخُورة، والوقت الذي تصرفه في هوى نفسك ضائع، تجيد حسرته يوم القيامة، ففي الحديث :" ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مضت لهم، لم يذكروا الله تعالى فيها " قال يحيى بن معاذ : أشد الناس عذاباً يوم القيامة من اغتر بحياته والْتَذَّ بمراداته، وسكن إلى مألوفاته، والله تعالى يقول :﴿أفرأيت إن متعناهم سنين...﴾ الآية. وعن ميمون بن مهران : أنه لقي الحسن في الطواف، وكان يتمنى لقاءه، فقال له : عِظني، فلم يزده على تلاوة هذه الآية، فقال : لقد وَعظت فأبلغت. وعن عمر بن العزيز رضي الله عنه : أنه كان يقرؤها عند جلوسه ليحكم بين الناس. هـ. وبالله التوفيق.
١٨٩
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٨


الصفحة التالية
Icon