الإشارة : هل أنبئكم على قَلْبِ مَنْ تَنَزَّلَتْ الشياطينُ، وسكنت فيه، تنزل على قلب كل أفاك أثيم، خارب من النور، محشو بالوسواس والخواطر، يلقون السمع إلى هرج الدنيا وأخبارها، وهو سبب فتنتها ؛ فإن القلب إذا غاب عن أخبار الدنيا وأهلها، سكن فيه النور وتأنس بالله، وإذا سكن إلى أخبار الدنيا وأهلها سكنت في الظلمة، وتأنس بالخلق، وغاب عن الحق. ولذلك قيل : ينبغي للمؤمن أن يكون كالفكرون ؛ إذا كان وحده انبسط، وإذا رأى أحداً أدخل رأسه معه، وأكثر ما يسمع من هرج الدنيا كذب وإليه الإشارة بقوله :﴿وأكثرهم كاذبون﴾، ومن جملة ما يفسد القلب : تولهه بالشعر، وفي الحديث :" لأنْ يمتلىءَ جوفُ أحدِكُم قَيْحَاً خيرٌ له من أن يَمْتَلِىءَ شِعْراً " أو كما قال ﷺ، إلا من كان شعره في توحيد الله، أو في الطريق، كالزهد في الدنيا، والترهيب من الركون إليها، والزجر عن الاغترار بزخارفها الغرارة، والافتتان بملاذها الفانية، وغير ذلك، أو في مدح النبي ﷺ، والمشايخ الموصلين إليه تعالى، بشرط أن يكون الغالب عليه ذكر الله.
وقوله تعالى :﴿وانتصروا من بعدها ظلموا﴾، أي : جاروا على نفوسهم بعدما جارت عليهم، وقهروها بعد ما قَهَرَتْهُمْ. ﴿وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾ قال ابن عطاء : سيعلم المعرض عنا ما فاته منا. هـ. وفي الحكم :" ماذا فقد مَنْ وَجَدَكَ، وما الذي وجد مَنْ فَقَدَكَ ؟ لقد خاب من رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغى عنك مُتَحَولاً، كيف يُرْجَى سِوَاك وأنت ما قَطَعْتَ الإحسانَ، أم كيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان ؟ " وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
١٩٥
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٢