الإشارة : تقدم بعض إشارة الآية في سورة طه. وقوله تعالى :﴿أن بورك من في النار...﴾ تقدم قول ابن عباس وغيره : أن المراد بمن في النار : نور الحق تعالى. قال بعض العلماء : كانت النار نوره تعالى، وإنما ذكره بلفظ النار ؛ لأن موسى حسبه ناراً، والعرب تضع أحدهما موضع الآخر. هـ. ومنه حديث :" حجُابه النار، لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه كلَّ شيء ادركه بصره "، أي : حجابه النور الذي تجلى به في مظاهر خلقه، فالأواني حجب للمعاني، والمعاني هي أنوارالملكوت، الساترة لأسرار الجبروت، السارية في الأشياء.
وقال سعيد بن جبير :(هي النار بعينها)، وهي إحدى حجب الله تعالى. ثم استدل
٢٠٠
بالحديث :" حجابة النار " ومعنى كلامه : أن الله تعالى احتجت في مظاهر تجلياته، وهي كثيرة، ومن جملتها النار، فهي إحدى الحجب التي احتجب الحق تعالى بها، وإليه أشار ابن وفا بقوله :
هو النورُ المحيط بكل كَون
ولا يفهم هذا إلا أهل الفناء في الذات، العارفون بالله، وحسب من لم يبلغ مقامهم التسليم لِما رمزوا إليه، وإلا وقع الإنكار على أولياء الله بالجهل، والعياذ بالله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٨
يقول الحق جل جلاله :﴿وأَدْخِلْ يدَكَ﴾ يا موسى ﴿في جَيْبكَ﴾ ؛ في جيب قميصك. والجيب : الفتح في الثوب لرأس الإنسان. قال الثعلبي : إنما أمره بذلك ؛ لأنه كان عليه مدرعة صوف، لا كُم لها. ﴿تخرجْ بيضاءَ من غير سُوءٍ﴾ ؛ من غير آفة، كَبَرَصٍ ونحوه، ﴿في تسع آياتٍ﴾ أي : هاتان الآيتان في جملة تسع آيات، وهي الفلق، والطوفان، والجراد، والقُمل، والضفادع، والدم، والطمس، والجدب في بواديهم، والنقصان في مزارعهم. ومن عدّ اليد والعصا من التسع عدّ الاخيرين واحداً، ولم يعد الفلق ؛ لأنه لم يبعث به إلى فرعون. وقوله :﴿إلى فرعون﴾ متعلق بمحذوف، أي : مرسلاً، أو : ذاهباً إلى فرعون ﴿وقومِه إنهم كانوا قوماً فاسقينَ﴾ ؛ خارجين عن أمر الله، كافرين به.