يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد آتينا داودَ وسليمانَ عِلماً﴾ أي : أعطينا كل واحد منهما طائفة خاصة به من علم الشرائع والأحكام، وغير ذلك مما يختص به كل واحد منهما، كصنعة الدروع، ومنطق الطير. أو : علماً لدُنِيا. ﴿وقالا﴾ أي : كل واحد منهما، شكراً لما أُوتيه من العلم :﴿الحمدُ لله الذي فضَّلنا﴾ بما آتانا من العلم ﴿على كثيرٍ من عباده المؤمنين﴾. قال النسفي : وهنا محذوف، ليصلح عطف الواو عليه، ولولا تقدير المحذوف لكان الوجه : الفاء، كقولك : أعطيته فشكر، وتقديره : آتيناهما علماً، فعملا به، وعرفا حق النعمة فيه، وقالا :﴿الحمد لله الذي فضَّلنا على كثير﴾. والكثير المفضّل عليه : من لم يؤت علماً، أو : من لم يؤت مثل علمهما. وفيه : أنهما فُضّلا على كثير، وفضل عليهما كثير.
وفي الآية دليلٌ على شرف العلم، وتقدم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجلّ النعم، وأن من أوتيه فقد أُوتي فضلاً على كثير من عباده، وما سماهم رسول الله ﷺ ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم في الشرف والمنزلة ؛ لأنهم القوّام بما بُعِثُوا من أجله. وفيها : أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله تعالى على ما أوتوه، وأن يعتقدَ العالم أنه إذا فُضّل على كثير فقد فُضّل عليه مثلهم. وما أحسن قول عمر رضي الله عنه :(كلّ الناس أفقه من عمر). هـ.
والعلماء على قسمين : علماء بالله وعلماء بأحكام الله. فالعلماء بالله هم العارفون به، أهل الشهود والعيان. وهم أهل علم الباطن، أعني علم القلوب، والعلماء بأحكام الله هم علماء الشرائع والنوازل. وحيث انتهت درجة العلماء بأحكام الله ابتدئت درجة العلماء بالله. فنهاية علماء الظاهر بداية علماء الباطن ؛ لأن علم أهل الظاهر جله ظني، وعلم أهل الباطن عياني، ذوقي، وليس الخبر كالعيان، مع ما فاقوهم به من
٢٠٢