الإشارة : قال صاحب الخصوصية لنفسه : سننظر أَصدقتِ في الخصوصية أم أنتِ من الكاذبين، اذهب بما معك من العلم، وذكّر به عباد الله، وألقه إليهم، ثم تولّ عنهم، وانظر ماذا يرجعون، فإن تأثروا بوعظك، وانتقش فيهم قولك، فأنتِ صادقة في ثبوت الخصوصية لديك ؛ لأن أهل العلم بالله إذا تكلموا وقع كلامهم في قلوب العباد، فحييت به قلوبهم وأرواحهم. ومن لا خصوصية له صدت كلامه الآذان. قالت حين أرادت التذكير : يا أيها الملاُ إني أُلقي إليّ في قلبي كتابٌ كريمٌ، وعلمٌ عظيم، فلا تعل عليّ وأتوني مسلمين، منقادين لما آمركم به، وقالت - لَمَّا تطهرت من الأكدار، وتحررت من الأغيار، وأحدقت بها جنود الأنوار : يا أيها الملأ - تعني جنود الأنوار - أفتوني في أمري الذي أريد ان أفعله، ما كنت قاطعة أمراً من الأمور، التي تتجلى في القلب، حتى تشهدون، وتشهدوا أنه رشد وحق، قالو : نحن أولو قوة وأولو بأس شديد، والأمر إليك، حيث تطهرت، فانظري ماذا تأمرين ؛ لأن النفس إذا تزكت وتخلصت وجب تصديقها فيما تهتم به، قالت : إن الملوك - أي : الواردات الإلهية التي تأتي من حضرة القهار، إذا دخلوا
٢١٤
قرية، أي : قلب نفس، أفسدوا ظاهرها بالتخريب والتعذيب، وجعلوا أعزةَ أهلها أذلة، أي : أبدلوا عزها ذُلاً، وجاهها خمولاً، وغناها من الدنيا فقراً، وكذلك يفعلون.
وفي الحِكَم العطائية :" متى وردت الواردات الإلهية عليك هدمت العوائد لديك، إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ". فكل وارد نزل بالإنسان ولم يغير عليه عوائده فهو كاذب، قال في الحِكَمِ :" لا تزكين وارداً لم تعلم ثمرته، فليس المراد من السحابة الأمطار، وإنما المراد منها وجود الأثمار ". وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٢


الصفحة التالية
Icon