﴿فلما جاءتْ﴾ بلقيسُ سليمانَ عليه السلام، وقد كان العرش بين يديه، ﴿قيل﴾ من جهة سليمان، أو بواسطة :﴿أهكذا عرشُكِ﴾ ؟ ولم يقل : أهذا عرشك ؛ لئلا يكون تلقيناً، فيفوت ما هو المقصود من اختبار عقلها، وقد قيل لسليمان - لما أراد تزوجها - : إن في عقلها شيئاً، فاختبرها بذلك. ﴿قالت﴾ - لما رأته - :﴿كأنه هو﴾ فأجابت أحسن جواب، فلم تقل : هو هو، ولا : ليس به، وذلك من رجاحة عقلها، حيث لم تقل : هو هو مع علمها بحقيقة الحال، ولِمَا شبّهوا عليها بقولهم : أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها :﴿كأنه هو﴾ مع أنها علمت بعرشها حقيقة، تلويحاً بما اعتراه بالتنكير من نوع مغايرة في الصفات مع اتحاد الذات، ومراعاة لحسن الأدب في محاورته عليه السلام. ولو قالوا :
٢١٨
أهذا عرشك ؟ لقالت : هو.
ثم قالت :﴿وأُوتينا العلم﴾ بقدرة الله تعالى، وبصحبة نبوتك ﴿مِن قَبْلِها﴾ ؛ من قَبل هذا الأمر، أي : من قبل المعجزة التي شاهدنا الآن، من أمر الهدهد، وبما سمعناه من المنذر من الآيات الدالة على ذلك، ﴿وكُنا مسلمين﴾ ؛ منقادين لك من ذلك الوقت، وكأنها ظنت أنه أراد عليه السلام اختبار عقلها، وإظهار المعجزة، لتؤمن به. فأظهرت أنها آمنت به قبل وصولها إليه. أو قال سليمان :﴿وأُوتينا العلم﴾ بالله تعالى وبكمال قدرته من قبل هذه الآية، ﴿وكنا مسلمين﴾ ؛ موحدين، أو :﴿وأُوتينا العلم﴾ بإسلامها ومجيئها طائعةً ﴿من قبل﴾ مجيئها، ﴿وكنا مسلمين﴾ موحّدين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٧