الإشارة : ما أنكر لوط على قومه إلا غلبة الشهوة على قلوبهم، والانهماك في غفلتهم، فرجعت إلى معصية القلوب، وهي أشد من معصية الجوارح ؛ لأن معصية الجوارح إذا صحبتها التوبة والانكسار، عادت طاعة، بخلاف معصية القلوب ؛ فإنها تنطمس بها أنوار الغيوب، فلا يزيد صاحبها إلا البُعد والطرد. والعياذ بالله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٤
٢٢٥
يقول الحق جل جلاله : لنبيه - عليه الصلاة والسلام- :﴿قل الحمدُ لله﴾ على ما أنعم به عليك من فنون النعم، ومن جملتها : اطلاعك على أسرار علم غيوبه، ﴿وسلامٌ على عباده الذين اصطفى﴾ لرسالته. وقال ابن عباس وسفيان : هم أصحاب محمد ﷺ، اصطفاهم بصحبته - عليه الصلاة والسلام - وقال الكلبي : هم أمة محمد ﷺ، اصطفاهم الله لمعرفته وطاعته. ثم قل لهم إلزاماً للحجة :﴿الله خير أما تشركون﴾ أي : آلله الذي ذكرت شؤونه العظيمة خير، أم ما تشركونه معه تعالى من الأصنام ؟ ومرجع الترديد إلى التعرض بتبكيت الكفرة، وتسفيه آرائهم الركيكة، والتهكم بهم، إذ من البيِّن أن ليس فيما أشركوه به تعالى شائبة خير، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من لا خير إلا خيره، ولا إله غيره.
وكان عليه الصلاة والسلام إذا قرأها قال :" بلِ الله خيْرٌ، وأَبْقَى، وأجلُّ، وأكْرَم ". ثم عدَّد سبحانه الخيرات والمنافع، الدالة على انفراده بالخيرية، فقال :﴿أمّن خَلَق السماواتِ والأرضَ﴾، " أم " هنا : منقطعة، بخلاف ﴿أمَّا تشكرون﴾ أي : بل أمّن خلق العالم العلوي والسفلي، وأفاض من كل واحد ما يليق به من الخيرات، خير، أم جماد لا يقدر على شيء ؟ فمن : مبتدأ، وخبرها : محذوف مع " أم " المعادلة للهمزة، كما قررنا.