يقول الحق جل جلاله :﴿أَمَّنْ يُجيبُ المُضْطَّر إِذا دعاه﴾، وهو من نزلت به شدة من شدائد الزمان، ألجأته إلى الدعاء والتضرع، كمرض، أو فقر، أو نازلة من نوازل الدهر ونوائبه، أو : المذنب إذا استغفر مبتهلاً، أو : المظلوم إذا دعا، أو : من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة يرجو بها القبول غير التوحيد، وهو منه على خطر، فهذه أنواع المضطر.
وإجابة دعوته مقيدة بالحديث :" الدّاعِي عَلَى ثَلاث مراتب، إما أن يُعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه، وإما يدفع عنه من السوء مثله " وأيضاً : إذا حصل الاضطرار الحقيقي حصلت الإجابة قطعاً، إما بعين المطلوب، أو بما هو أتم منه، وهو الرضا والتأييد. ﴿ويكشفُ السُوءَ﴾ وهو الذي يعتري الإنسان مما يسؤوه، كضرر أو جَور، ﴿ويجعَلُكم خُلفاءَ الأرض﴾ أي : خلفاء فيها، تتصرفون فيها كيف شئتم، بالسكنى وغيره، وراثة عمن كان قبلكم من الأمم، قرناً بعد قرن : أو : أو أراد بالخلافة الملك والتسلط. ﴿أإله مع الله﴾ الذي يفيض على الخلق هذه النعام الجسام، يمكن أن يعطيكم مثلها ؟ ﴿قليلاً ما تذكَّرون﴾ أي : تذكراً قليلاً، أو : زماناً قليلاً تتذكرون فيه. و " ما " : مزيدة، لتأكيد معنى القلة، التي أريد بها العدم، أو : ما يجري مجراه في الحقارة وعدم الجدوى. وتذييل الكلام بنفي عدم التذكر منهم إيذان بأن وجود التذكر مركوز في ذهن كل ذكي، وأنه من الوضوح بحيث لا يتوقف إلا على التوجه إليه وتذكره. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الاضطرار الحقيقي الذي لا تتخلف الإجابة عنه في الغالب : وهو أن يكون العبد في حال شدته كالغريق في البحر وحده، لا يرى لغياثه غير سيده. و قال ذو النون : هو الذي قطع العلائق عما دون الله. وقال سهل بن عبد الله : هو الذي رفع يديه إلى الله تعالى داعياً، ولم تكن له وسيلة من طاعة قدّمها. هـ. بل يقدم إساءته بين يديه، ليكون دعاؤه بلا شيء يستحق عليه الإجابة، إلا من محض الكرم.


الصفحة التالية
Icon