يقول الحق جل جلاله :﴿أمَّن يهديكم في ظلمات البَرِّ والبحر﴾ ليلاً، وبعلامات في الأرض نهاراً ؟ أو : أمّن يهديكم إلى سلوك الطريق التي تُوصلكم إلى مقصدكم، وأنتم في ظلمات الليل، سواء كنتم في البر أو البحر ؟ فلا هادي إلى ذلك إلا الله تعالى. ﴿ومن يُرسل الرياح﴾، أو بالإفراد. ﴿نُشراً﴾ بالنون - أي : تنشر السحاب إلى الموضع الذي أمر الله بإنزال المطر فيه، أو ﴿بُشرا﴾ - بالباء - أي مبشرة بالمطر، ﴿بين يدي رحمته﴾ ؛ قدَّام المطر، علامة عليه، ﴿أإله مع الله﴾ يفعل ذلك ؟ ﴿تعالى الله عما يُشركون﴾. وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار للإشعار بعلِّية الحُكم، أي : تعالى الله وتنزّه بذاته المنفردة بالألوهية، المقتضية لكون كل المخلوقات مقهوراً تحت قدرته، عن وجود ما يشركونه به تعالى.
الإشارة : أمّن يهديكم إلى حل ما أشكل عليكم، وأظلمت منه قلوبكم، من علم بَر الشرائع. وبحر الحقائق، فيهديكم في الأول إلى كشف الحق والصواب وفي الثاني إلى كشف الغطاء ورفع الحجاب، أو : في الأول إلى علم البيان، وفي الثاني إلى عين العيان بالذوق والوجدان. أو : في الأول إلى علم اليقين، وفي الثاني إلى عين اليقين وحق اليقين. ومَن يُرسل رياح الواردات الإلهية، بشارة بين يدي رحمته بالوصول إلى حضرته، وهو التوحيد الخاص. ولذلك ختمه بقوله :﴿تعالى الله عما يُشركون﴾ من رؤية وجود السِّوى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٨
٢٢٩
قلت :" من " : إما فاعل بيعلم، و " الغيب " : بدل منه، و " الله " : مفعول، و " إلا الله " : بدل على لغة تميم، أي : إبدال المنقطع، وإما مفعول بيعلم، و " الغيب " بدل منه و(الله) : فاعل، والاستثناء : مفرغ.


الصفحة التالية
Icon