يقول الحق جل جلاله :﴿وإن ربك لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ﴾ أي : تخفي ﴿صُدورُهُم وما يُعلنون﴾ أي : يُظهرون من القول. وليس تأخير العذاب عنهم لخفاءَ حالِهم عليه، ولكن له وقت مقدار، فيمهلهم إليه. أو : إن ربك ليعلم ما يخفون وما يُعلنون من عداوتك ومكايدهم لك، وهو معاقبهم على ذلك بما يستحقونه. وقرئ بفتح التاء، من : كننت الشيء : سترته.
﴿وما من غائبةٍ في السماء والأرض﴾ أي : من خافية فيهما ﴿إلا في كتاب مبين﴾ في اللوح المحفوظ. يُسمى الشيء الذي يخفى ويعيب غائبه وخافية. والتاء فيهما كالتاء في
٢٣٣
العاقبة والعافية. ونظائرهما، وهي أسماء غير صفات. ويجوز أن يكونا صفتين، وتاؤهما للمبالغة، كالرواية. كأنه قال : وما من شيء شديد الغيوبة إلا وقد علمه الله، وأحاط به، وأثبته في اللوح المحفوظ. ومن جملة ذلك : تعجيل عقوبتهم، ولكن لكل شيء أجل معلوم، لا يتأخر عنه ولا يتقدم. ولولا ذلك لعَجَّل لهم ما استعجلوه. والمُبين : الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة : أو : مبين لما فيه من تفاصيل المقدورات. والله تعالى أعلم.
الإشارة : في الآية حث على مراقبة العبد لمولاه، في سر وعلانيته، فلا يفعل ما يخل بالأدب مع العليم الخبير، ولا يجول بقلبه فيما يستحيي أن يظهره لغيره، إلا أن يكون خاطراً ماراً، لا ثبات له، فلا قدرة للعبد على دفعه. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٣


الصفحة التالية
Icon