جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٤
ثم بيّن سبب طعنهم في القرآن، بأنهم ليس فيهم قابلية الإدراك ؛ لكونهم موتى صماً، لا حياة لهم ولا سمعَ استبصار، قال تعالى :﴿إنك لا تُسمع الموتى﴾، شُبِّهوا بالموتى لعدم تأثرهم بما يُتلى عليهم من القوارع والزواجر، ﴿ولا تُسمِع الصمَّ الدعاءَ﴾ أي : الدعوة إلى أمر من الأمور ﴿إذا وَلَّوا مدبرين﴾ عنك. وتقييد النفي بالإدبار ؛ لتكميل التنبيه وتأكيد النفي، فإنهم مع صمَمهم عن الدعاء إلى الحق معرضون عن الداعي، مولون على أدبارهم. ولا ريب أن الأصم لا يسمع الدعاء، مع كون الداعي بمقابلة صماخة، قريباً منه، فكيف إذا كان خلفه بعيداً منه ؟.
﴿وما أنت بهادي العُمى عن ضلالتهم﴾ هدايةً موصلةً إلى المطلوب، كما في قوله تعالى :﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص : ٥٦] ؛ فإن الاهتداء منوط بالصبر في الحس، وبالبصيرة في المعنى. ومَن فقدهما لا يتصور منه اهتداء، و " عن " متعلق بهادي ؛ باعتبار تضمنه معنى الصرف، وإيراد الجملة الاسمية للمبالغة في نفي الهداية. ﴿إن تُسْمِعُ﴾ أي : ما تُسمع سماعاً يجدي السامع وينفعه ﴿إلا من يؤمن بآياتنا﴾ أي : من عَلِمَ الله أنهم يؤمنون بآياته. ﴿فهم مسلمون﴾ ؛ مخلصون، من قوله :﴿بَلَىا مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ﴾ [البقرة : ١١٢] أي : جعله سالماً لله خالصاً. جعلنا الله ممن أسلم بكليته إليه. آمين.


الصفحة التالية
Icon