جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٧
ثم ذكر دلائل قدرته على البعث، وما ينشأ بعد ذلك، بقوله :﴿ألم يروا أنَّا جعلنا الليلَ ليَسكُنوا فيه﴾، الرؤية هنا قلبية، أي : ألم يعلموا أنا جعلنا الليل بما فيه من الإظلام ليستريحوا فيه بالنوم والقرار. ﴿والنهارَ مبصراً﴾ أي : يُبصروا، بما فيه من الإضاءة، طرق التقلب في أمور المعاش. وبولغ فيه، حيث جعل الإبصار الذي هو حال الناس، حالاً له، ووصفاً من أوصافه، بحيث لا ينفك عنها، ولم يسلك في الليل هذا المسلك ؛ لأن تأثير ظلام الليل في السكون ليس بمثابة تأثير النهار في الإبصار. قاله أبو السعود. قلت : وقد جعله كذلك في قوله :﴿وَجَعَلَ الْلَّيْلَ سَكَناً﴾ [الأنعام : ٩٦] فانظره.
﴿إنَّ في ذلك لآياتٍ﴾ كثيرة ﴿لقوم يؤمنون﴾ ؛ يُصدِّقون، فيعتبرون، فإنَّ من تأمل في تعاقب الليل والنهار، واختلافهما على وجوه بديعة، مبنية على حِكَمٍ رائقة، تحار في فهمها العقول، وشاهد في الآفاق تبدل ظلمة الليل، المحاكية للموت، بضياء النهار، المضاهي للحياة، وعاين في نفسه غلبة النوم، الذي هو يضاهي الموت، وانتباهه منه،
٢٣٨
الذي هو يضاهي البعث، قضى بأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
قال لقمان لابنه : يا بُني إن كنت تشك في الموت فلا تنم، فكما أنك تنام قهراً ؛ كذلك تموت، وإن كنت تشك في البعث فلا تنتبه، فكما أنك تنتبه بعد نومك ؛ كذلك تُبعث بعد موتك هـ. وبالله التوفيق.