﴿وترى الجبالَ﴾ حال الدنيا ﴿تحسبُها جامدةً﴾ ؛ واقفة ممسّكة عن الحركة، من : جمد في مكانه : إذا لم يبرح. ﴿وهي تمرُّ مرَّ السحابِ﴾ أي : مراً مثل مر السحاب، التي تسيرها الرياح، سيراً حثيثاً، والمعنى : أنك إذا رأيت الجبال وقت النفخة ظننتها ثابتة في مكان واحد ؛ لِعظمها، وهي تسير سيراً سريعاً، كالحساب إذا ضربته الرياح، وهكذا الأجرام العظام، إذا تحركت لا تكاد تتبين حركتها. ومثال ذلك : الشمس ؛ لعظم جرمها وبُعدها لا تتبين حركتها، مع كونها أسرع من الريح.
والذي في حديث أبي هريرة : أنَّ تسيير الجبال يكون بعد نفخة الفزع وقبل الصعق.
ونص الحديث - بعد كلام تقدم :" فيأمر إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول : انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات والأرض، إلا من شاء الله، فيأمره فيمدها - أي : النفخة - ويطيلها، فيُسير الله الجبالا، فتمر مر السحاب، فتكون سراباً، وتَرْتج الأرض بأهلها رجاً، فتكون كالسفينة تضربها الأمواج، وتقلبها الرياح وهو في قوله :﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ [النازعات : ٦] الآية، فتميد الأرض بالناس على ظهرها فتذهل المراضع، وتضع الحوامل،
٢٤٠
وتشيب الولدان، وتطير الشياطين، هاربة من الفزع، حتى تأتي الأقطار هاربة، فتلقاها الملائكة تضرب وجهها وأدبارها، فترجع، ويولي الناس مدبرين، ينادي بعضهم بعضاً، وهو قوله :﴿يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ...﴾ [غافر : ٣٣] الآية فبينما هم كذلك ؛ إذ تصدعت الأرض، من قطر إلى قطر، فرأوا أمراً عظيماً، لم يروا مثله " ثم قال : قال النبي ﷺ :" والأموات يومئذٍ لا يعلمون بشيء من ذلك " قال أبو هريرة : قلت : يا رسول الله فمن استثنى الله من الفزع ؟ قال :" أولئك الشهداء ".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٩


الصفحة التالية
Icon