وقوله تعالى :﴿من جاء بالحسنة﴾ أي : بالخصلة الحسنة، وهي المعرفة ﴿فله خير منها﴾ وهو دوام النظرة والحبرة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ﴿ومن جاء بالسيئة﴾ هي الجهل بالله، فينكس وجهه عن مواجهة المقربين. والعياذ بالله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٩
يقول الحق جل جلاله : قل لكفار قريش، بعد تبيين أحوال المبعث، وشرح أحوال القيامة، بما لا مزيد عليه :﴿إنما أُمرتُ أن أعبدَ ربَّ هذه البلدة﴾ أي : مكة، أي : إنما أمرني ربي أن أعبده، وأستغرق أوقاتي في مراقبته ومشاهدته، غير مبالٍ بكم، ضللتم أم رشِدتم، وما عليّ إلا البلاغ، وقد بلغتكم وأنذرتكم. وتخصيص مكة بالإضافة لتفخيم شأنها وإجلال مكانها، ﴿الذي حَرَّمها﴾ أي : جعلها حرماً آمناً، يأمن الملتجأ إليها، ولا يختلي خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفّر صيدها. والتعرض لبيان تحريمه إياها تشريف لها بعد تشريف، وتعظيم إثر تعظيم، مع مافيه من الإشعار بعلة الأمر بعبادة ربها، وأنهم مُكلفون بذلك، كما في قوله تعالى :﴿فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـاذَا الْبَيْتِ الَّذِيا أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ [قريش : ٣، ٤]. ومن الإشارة إلى غاية شناعة ما فعلوا فيها، ألا
٢٤٣
يُرى أنهم مع كونها محرمة أن تنتهك حرمتها، ويلحد فيها بإثم، قد استمروا فيها على تعاطي أفجر الفجور، وأشنع الإلحاد، حيث تركوا عبادة ربها، ونصبوا الأوثان، وعكفوا على عبادتها، قاتلهم الله أنَّى يؤفكون. قاله أبو السعود.
ثم قال تعالى :﴿وله كلُّ شيء﴾ خلقاً وملكاً وتصرفاً، من غير ان يشاركه أحد في شيء من ذلك، تحقيقاً للحق، وتنبيهاً على إن إفراد مكة بالإضافة لما ذكر من التفخيم والتشريف، مع عموم الربوبية لجميع الموجودات. ﴿وأُمرتُ أن أكون من المسلمين﴾ المنقادين له، الثابتين على ما كنا عليه، من ملة الإسلام والتوحيد. الذين أسلموا وجوهم له تعالى، وانقادوا إليه بالكلية.


الصفحة التالية
Icon