وقال ابن عباس : لما بلغ موسى أشده كان يحمي بني إسرائيل من الظلم والسخرة، فبينما هو يمشي نظر رجلين يقتتلان، أحدهما من القبط والآخر من بني إسرائيل. ﴿فاستغاثه﴾ ؛ فاستنصره ﴿الذي من شيعته على الذي من عدوه﴾ أي : فسأله أن يغيثه الإعانة. ضمَّن استغاث أعان، فعداه بـ " على ". رُوي أنه لما استغاث به، غضب موسى، وقال للفرعوني : خله عنك ؟ فقال : إنما آخذه ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك، ثم قال الفرعوني لموسى : لقد هممت أن أحمله عليك، ﴿فوكزه موسى﴾ ؛ ضربه بِجُمْع كفه، أو : بأطراف أصابعه. قال الفراء الوَكز : الدفع بأطراف الأصابع. ﴿فقَضَى عليه﴾ أي : قتله، ولم يتعمد قتله، وكام موسى عليه السلام ذا قوة وبطش، وإنما فعل ذلك الوكز ؛ لأن إغاثة المظلوم والدفع عن دِين في الملل كلها، وفرض في جميع الشرائع. وإنما عدَّه ذنباً ؛ لأن الأنبياء لا يكفي في حقهم الإذن العام، فلذلك ﴿قال هذا من عمل الشيطان﴾ أي : القتل الحاصل، بغير قصد، من عمل الشيطان، واستغفر، وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان، وسماه ظلماً لنفسه، واستغفر منه ؛ لأنه كان مستأمناً فيهم، أو : لأنه قتله قبل أن يُؤذن له في القتل. وعن ابن جريج : ليس لنبي أن يقتل ما لم يُؤمر، ولأن الخصوص يٌعظمون محقرات ما فرط منهم. ﴿إنه﴾ أي : الشيطان ﴿عدو مُضل مبين﴾ ؛ ظاهر العداوة.
﴿قال ربِّ﴾ أي : يا رب ﴿إني ظلمتُ نفسي﴾ بفعل صار قتلاً ﴿فاغفرْ لي﴾ زلتي، ﴿فَغَفَرَ له﴾ زلته، ﴿إنه هو الغفور﴾ بإقالة الزلل، ﴿الرحيم﴾ بإزالة الخجل، ﴿قال ربِّ بما أنعمت عليَّ﴾ أي : بحق إنعامك عليّ بالمغفرة ولم تعاقبني ﴿فلن أكون ظهيراً للمجرمين﴾ أي : لا تجعلني أُعين على خطيئةَ، تَوَسل للعصمة بإنعامه عليه. وقيل : إنه قسم حُذف جوابه، أي : أُقْسِمُ بإنعامك عليَّ بالمغفرة، إن عصمتني، فلن أكون ظهيراً للمجرمين، وأراد بمظاهرة المجرمين صُحْبَةَ فرعون، وانتظامَهُ في جملته، وتكثير سواده، حيث كان يركب معه كالولد مع الوالد.