جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٦
الإشارة : الأرواح كلها برزت من عالم العز والكبرياء، وهو عالم الجبروت، فما هبطت إلى عالم الأشباح، وكلفت بالعبودية، وبالخضوع لقهرية الربوبية، شق عليها، ونفرت من التواضع والذل، وبطشت إلى أصلها ؛ لأنها من عالم العز، فبعث الله الرسل ومشايخ التربية يدلونها على ما فيه سعادتها. من الذل والتواضع والخضوع للحق، حتى تصل إلى الحق، فمن سبق له الشقاء ؛ أنف، وقال : ما هذا إلا سحر مفترى، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، واستكبر وطغى، فغرق في بحر الردى. ومن سبقت له السعادة ؛ تواضع، وذل لعظمة مولاه، فوصله إلى العز الدائم، في حضرة جماله وسناه. ولذلك قيل : للنفس خاصية ما ظهرت إلا على فرعون، حيث قال : أنا ربكم الأعلى. وهذه الخاصية هي أصل نشأتها وبروزها، حيث برزت من عالم الجبروت ؛ قال تعالى :﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ ولكن لم يفتح لها الباب إلا من جهة العبودية والذل والافتقار، كما قال الشاعر :
تَذَلَّلْ لِمَنْ تَهْوَى ؛ لِتَكْسِبَ عِزَّةً
فَكَمْ عِزَّةٍ قَدْ نالَهَا المَرْءُ بِالذُّلِّ
إِذَا كَانَ مَنْ تَهْوى عَزِيزاً، وَلَمْ تَكُنْ
ذَلِيلاً لَهُ، فَاقْرَ السَّلامَ على الْوَصْلِ
ولا يرضى المحبوب من المحب إلا الأدب، وهو التذلل والخضوع، كما قائل القائل :
أدَبُ الْعَبْدِ تَذَلُّلٌ
وَالْعَبْدُ لاَ يَدَعُ الأدَبْ
فَإذَا تَكَامَلَ ذُلّهُ ؛
نَالَ الْمَوَدَّةَ، وَاقْتَرَبْ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٦
٢٦٨


الصفحة التالية
Icon