كانت عنده أمَةٌ فأعتقتها وتزوجها ". ﴿ويدرؤون بالحسنةِ السيئةَ﴾ ؛ يدفعون الخصلة القبيحة بالخصلة الحسنة، يدفعون الأذى بالسِلم، والمعصية بالطاعة. ﴿ومما رزقناهم ينفقون﴾ ؛ يتصدقون، أو يزكون، ﴿وإذا سمعوا اللغْوَ﴾ ؛ الباطل، أو الشتم من المشركين، ﴿أعْرضوا عنه وقالوا﴾ للاغين :﴿لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم﴾ ؛ أمان منا عليكم، لا نقابل لغوكم بمثله، ﴿لا نبتغي الجاهلين﴾ ؛ لا نريد مخالطتهم وصحبتهم، أو : لا نبتغي دين الجاهلين، أو محاورة الجاهلين وجدالهم، أو : لا نريد أن نكون جهالاً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٤
وفي السَير : أن أصحاب النجاشي لَمَّا كلمهم جعفر رضي الله عنه في مجمع النجاشي، بَكَوْا، ووقر الإسلام في قلوبهم، فقدِموا على رسول الله ﷺ بمكة، فقرأ عليهم القرآن، فأسلموا، وقالوا :﴿آمنا به إنه الحق من ربنا..﴾ الآية. فلما خرجوا من عنده ﷺ ؛ استقبلتهم قريش فسبوهم، وقالوا : ما رأينا قوماً أحمق منكم، تركتم دينكم لمجلس ساعة مع هذا الرجل، فقالوا لهم :﴿سلام عليكم...﴾ إلخ.
الإشارة : مَنْ تَحَمَّلَ من العلماء مشقة تَحَمُّلِ العلمِ الظاهر، ثم ركب أهواء النفس ومحاربتَها في تحصيل العلم الباطن، فهو ممن يُوتى أجره مرتين، وينال عز الدارين ضعفين ؛ بسبب صبره على العِلْمَيْن، وارتكاب الذل مرتين، إذا اتصف بما اتصف به أولئك، بحيث يدرأ بالحسنة السيئة، وينفق مما رزقه الله من الحس والمعنى، كالعلوم والمواهب، ويعرض عن اللغو - وهو كل ما يشغل عن شهود الله - ويحلم عن الجاهل، ويرفق بالسائل. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٤


الصفحة التالية
Icon