فإذا علمت، أيها العبد، أن الحق تعالى هو الذي يخلق ما يشاء ويختار، لم يبق لك مع الله اختيار، فالحالة التي أقامك فيها هي التي تليق بك، ولذلك قيل : العارف لا يعارض ما حلّ به، فقراً كان أو غنى. قال اللجائي في كتاب قطب العارفين : الراضي شبه ميت، لا نفس له، يختار لها، فالفقر والغنى حكمان من حكيم واحد، وهو أعلم سبحانه بعبيده، وما يصلحون به، فمنهم من يصلح للفقر ولا يصلح للغنى، ومنهم من يصلح للغنى ولا يصلح للفقر، ومنهم من يصلح بالمنع ولايصلح بالعطاء، ومنهم من يصلح بالعطاء ولا يصلح بالمنع، ومنهم من يصلح بالبلاء ولا يصلح بالصحة، ومنهم من يصلح بالصحة ولا يصلح بالبلاء، ومنهم من يصلح بالوجهين جميعاً، وهو أعلى رُتبة يشار إليها في غاية هذا الشأن، ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار...﴾ الآية، ففي هذه الآية كفاية وتعزية لكل سالك راض عن الله تعالى، لكن لا يعقْلُها ولا يتلذذ بها إلا مشايخ العارفين. هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٢
قلت :(سرمداً) : مفعول ثان لجعل، وهو من السرد، أي : التتابع، ومنه قولهم في الأشهر الحرم : ثلاثة سرد وواحد فرد، والميم زائدة، فوزنه : فعْمَل.
يقول الحق جل جلاله :﴿قل أرأيتم﴾ ؛ أخبروني ﴿إن جعل الله عليكم الليلَ
٢٨٤
سرمداً﴾
؛ دائماً ؛ بإسكان الشمس تحت الأرض، أو بتحريكها حول الأفق الخارج عن كورة الأرض، أو بإخفاء نورها، ﴿مَنْ إلهٌ غيرُ اللهِ يأتيكم بضياءٍ﴾، وحقه : هل إله غير الله، وعبّر بـ " مَن " على زعمهم أن غيره آلهة، أي : هل يقدر أحد على هذا ؟ ﴿أفلا تسمعون﴾ سماع تدبر واستبصار ؟.


الصفحة التالية
Icon