يقول الحق جل جلاله : لرسوله ﷺ ﴿إن الذي فَرَضَ عليك القرآن﴾ أي : أوجب عليك تلاوته وتبليغه، والعمل بما فيه، ﴿لرادُّك إلى معاد﴾ عظيم، وهو المعاد الجسماني ؛ لتقوم المقام المحمود، الذي لا يقوم فيه أحد غيرك، مع حضور الأكابر من الرسل وغيرهم. أو : لرادك إلى معادك الأول، وهو مكة، وكان عليه الصلاة والسلام اشتاق إليها ؛ لأنها مولده ومولد آبائه، وقد ردّه إليها يوم الفتح، وإنما نكَّره ؛ لأنه كان في ذلك اليوم معاد له شأن، ومرجع له اعتداد ؛ لغلبته - عليه الصلاة والسلام - ونصره، وقهره لأعدائه، ولظهور عز الإسلام وأهله، وذل الشرك وحزبه.
والسورة مكية، لكن هذه الآية نزلت بالجُحْفَةِ، لا بمكة ولا بالمدينة، وفي الآية وعد بالنصر، وأن العاقبة الحسنة والخير الجسيم للنبي ﷺ لا يختص بالآخرة، بل يكون في الدنيا له ولمتَّبِعيهِ، ولكن بعد الابتلاء والامتحان، كما في صدر السورة الآتية بعدها، وبهذا يقع التناسب بينهما، فإنها كالتعليل لِمَا قبلها.
٢٩٣
ولما وعده بالنصر قال له :(قل ربي أعلم من جاء بالهُدى أي : يعلم مَنْ جاء بالحق، يعني نَفْسَهْ ﷺ مع ما يستحقه من النصر والثواب، في معاده، ﴿ومن هو في ضلال مبين﴾ ؛ وهم المشركون، مع ما يستحقونه من العقاب في معادهم.
﴿وما كنتَ ترجو أن يُلقى﴾ ؛ يوحي ﴿إليك الكتابُ﴾ أي : القرآن، فكما ألقى إليك الكتاب، وما كنت ترجوه ؛ كذلك يردك إلى معادك الأول، من غير أن تَرْجُوَهُ، ﴿إلا من رحمةً من ربك﴾، لكن ألقاه إليك، رحمة منه إليك، ويجوز أن يكون استثناء محمولاً على المعنى، كأنه قال : وما أُلْقِيَ إليك الكتاب إلا رحمة من ربك، ﴿فلا تكونن ظهيراً﴾ ؛ معيناً ﴿للكافرين﴾ على دينهم ؛ بمُداراتهم والتحمل عنهم، والإجابة إلى طلبتهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٣


الصفحة التالية
Icon