الإشارة : أهل الاشتياق يُرَوِّحُونَ أرواحهم بهذه الآية، فيقولون لها : إن الذي فرض عليك القرآن، أن تعمل به في الدنيا لرادك إلى معاد جسماني روحاني، فتتصل نضرتك ونظرتك إلى وجه الحبيب، من غير عذول ولا رقيب، على سبيل الاتصال، من غير تكدر ولا انفصال، فإن وقع الإنكار على أهل الخصوصية ؛ فيقولون :﴿ربي أعلم﴾ الآية.. وما كنت ترجو أن تُلْقَى إليك الخصوصية إلا رحمة من ربك، فلا تكونن ظهيراً للكافرين المنكرين لها، معيناً لهم على إذاية من انتسب إليها، ولا يصدنك عن معرفة آيات الله الدالة عليه، بعد إذ أُنزلت إليك، أي : لا يمنعك الناس عن صحبة أولياء الله، الدالين عليه، وادع إلى ربك، أي : إلى معرفة ذاته ووحدانيته، ولا تكونن من المشركين بشهود شيء من السِّوى، فإن كل شيء هالك، أي : معدم في الماضي والحال والاستقبال، إلا
٢٩٤
وجهه : إلا ذاته، فلا موجود معها، وفي ذلك يقول الشاعر :
الله قُلْ، وذَرِ الْوُجُودَ وَمَا حَوَى
إِنْ كُنْتَ مُرْتَاداً بُلُوغَ كَمَال
فَالْكُلُّ، دون اللهِ، إِن حَقَّقْتَهُ،
عَدََمٌ عَلَى التَّفْصِيل وَالإجْمَالِ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٣
وَاعلَمْ بأنَّكَ، والعَوالِمَ كُلَّها،
لَوْلاَهْ، فِي مَحْوٍ وَفِي اضْمِحْلاَلِ
مَنْ لاَ وُجُودَ لِذَاتِهِ مِنْ ذَاتِهِ
فَوُجُودُهُ، لولاه، عَيْنُ مُحَالِ
فَالْعَارِفُون فَنَوْا، وَلَمْ يَشْهَدُوا
شَيْئاً سِوَى المُتَكَبِّرِ الْمُتَعَالِ
وَرَأَوْا سِوَاهُ عَلَى الحَقِيقَةِ هَالِكاً
فِي الْحَاِلِ وَالْمَاضِي وَالاسْتِقْبَال
وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وَصَلَّى اللهُ على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسَلَّمَ.
٢٩٥
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٣