﴿وما أنتم بمعجزين﴾ أي : بفائتين ربكم إن هربتم من حكمه وقضائه، ﴿في الأرض﴾ الفسيحة، ﴿ولا في السماء﴾ التي هي أفسح منها وأبسط، لو كنتم فيها. ﴿وما لكم من دون الله من وليٍّ﴾ يتولى أموركم، ﴿ولا نصير﴾ ؛ ولا ناصر يمنعكم من عذابه. ﴿والذين كفروا بآيات الله﴾ ؛ بدلائله على وحدانيته، أو كتبه، أو معجزاته، ﴿ولقائه﴾ ؛ وكفروا بلقائه، ﴿أولئك يئِسُوا من رحمتي﴾ ؛ جنتي، ﴿وأولئك لهم عذابٌ أليم﴾ موجع. وبالله التوفيق.
الإشارة : أَوَلَمْ ير أهل فكرة الاستبصار كيف يظهر الحقُّ تجلياته من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، ثم يبطنها، فيردها لأصلها من اللطافة، ثم ينشأها النشأة الثانية، تكون معانيها أظهر من حسها، وقدرتُها أظهر من حكمتها، فليس عند أهل التوحيد الخاص شيء يفنى، وإنما يُبطن ما ظهر، ويُظهر ما بطن، ولا زائد على أسرار الذات وأنوار الصفات. وهذا أمر لا يدركه إلا أفراد الرجال بصحبة أكابر الرجال، وهو لُب العلم، وخالصة طريقة ذكر الله، والتفرغ عن كل شيء ما يشغل عن الله، بعد قتل النفوس وحط الرؤوس وبذل الفلوس. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٣
قلت :﴿مودَّةَ بينكم﴾ : مَنْ نَصَبَها : فله وجهان ؛ أحدهما : على التعليل، أي لتوادوا بينكم، والمفعول الثاني محذوف، أي : اتخذتم أوثاناً آلهة. والثاني على المفعول الثاني لاتخذتم، كقوله :﴿اتخذ آلهه هواه﴾ [الفرقان : ٤٣]. و(ما) : كافة، أي : اتخذتم الأوثان سَبَبَ المودَّةِ على حَذْفِ مضاف، أو : اتخذتموها مَوْدُودَةً بينكم. و(بينكم) : نصب على الظرفية ؛ نعت لمودة، أي : حاصلة بينكم. ومن رفع : فله وجهان ؛ إما خبر إن، و(ما) موصولة، أو : عن مبتدأ محذوف، أي : هي مودة بينكم، و(بينكم) : مضاف إليه ما قبله.
يقول الحق جل جلاله :﴿فما كان جوابَ قومه﴾ ؛ قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الله
٣٠٥